موريتانيا: هل تعيش الحكومة حالة تمرد على سياسة الرئيس ؟!
يمنح الدستور الموريتاني صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والمسؤول عن رسم السياسة الخارجية، والداخلية للبلد، ويفوض رئيس الجمهورية بعض صلاحياته للوزير الأول من أجل تسيير الأمور التنفيذية للحكومة، بالرجوع لرئيس الجمهورية، وتطبيق تعليماته، وسياساته في جميع المجالات، ومنذ استقلال موريتانيا، ظل الوزراء الأول منفذين طيعين لتعلمات الرؤساء، لكن، وللمرة الأولى برزت ظاهرة غريبة على الحياة السياسية في البلد، تمثلت في ما يشبهه البعض بحالة من التمرد الصامت على تعليمات رئيس الجمهورية ولد عبد العزيز، والمبادئ التي قام عليها حكمه، وانتخبه الشعب بناء عليها، حتى بات معظم أنصار ولد عبد العزيز يقولون صراحة إن حكومة المأمورية الثانية لا تمثل سياسة الرئيس.
فعندما يقول الرئيس ولد عبد العزيز إن حرية التعبير، والرأي لا مساومة فيها، ويطلب من موظفيه الذين يضيقون ذرعا بما تكتبه الصحافة ضدهم أن يعودوا للبادية، ويمارسوا رعي الغنم، نجد المسؤول الأول عن تنفيذ سياسة الرئيس يعاقب كل من ينتقده، ولو بتدوينة على فيسبوك، والمفارقة أن من ينتقد رئيس الجمهوية لا يتعرض للعقاب، ومن يتجرأ على انتقاد رئيس الحكومة فذاك خط أحمر، وقائمة العقوبة في انتظاره، بدء بالفصل من المنصب، مرورا بالتحويل التعسفي، وليس انتهاء بالمضايقات في حياته اليومية، أو حتى السجن.
وعندما يأمر الرئيس ولد عبد العزيز بالشفافية في التسيير، ومنح المواطنين فرصا متكافئة، وتوزيع موارد الدولة بعدالة بين المواطنين، نجد المسؤول الأول عن تنفيذ أوامر الرئيس يمارس الزبونية، والانتقائية، ويحول عملية أمل من وسيلة للتخفيف من معاناة المواطنين الأكثر فقرا، إلى أداة بيده لمكافأة أنصاره السياسيين، ومعاقبة خصومه السياسيين، حتى لو كانوا داعمين للنظام، لكن ليس من بوابة هذا المسؤول، وأصبحت دكاكين أمل أكبر وسيلة ابتزاز علنية باسم الدولة في هذا المجال، في حين أن هذه الدكاكين ممولة من مال الشعب، وينبغي افتتاحها بناء على معايير موضوعية، ويستفيد منها الجميع، معارضين، وموالين، وليست مثل الوظائف التي هي ملك للحكومة تعين فيها من تشاء، وتقيل من تريد.
ولعل أحدث فصول ما يسميه البعض تمرد الحكومة ضد تعليمات رئيس الجمهورية، ما يشاهده الجميع هذه الأيام من محاولات للتشويش على اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية لتطوير أداء حزبه، حيث لم يكتف مسؤوله الأول بمقاطعة جلسات المكتب التنفيذ للحزب - وهو عضو فيه- مع هذه اللجنة، بل نشطت أياديه إعلاميا، وسياسيا، لبث روح الإحباط، واليأس في عمل اللجنة، ووصل الأمر حد الإعلان صراحة أن نتائج عمل هذه اللجنة لن تكون مفيدة، بل ستكون استنساخا لتجربة حزب تواصل، رغم أن اللجنة لم تعلن بعد حصيلة عملها، والمفارقة أن رئيس الجمهورية دعا صراحة خلال اجتماع مجلس الوزراء لمساعدة هذه اللجنة، وتسهيل مهمتها، وعلى الفور بدأ مسؤوله الأول وضع العراقيل في سبيل عملها، ومن ثم التشكيك في نتائجه، فهل ينتهي التمرد عند هذا الحد، أم أن ما خفي أعظم...؟؟
يتواصل...