المنتدى، والاختيار بين الصعب، والأصعب (تحليل)
تعتبر المفاوضات السياسية من أصعب أنواع التفاوض، وأعقده، ذلك لأن اهتمام المتفاوضين ينصب على ما يـُذكر، وما لا يذكر، وتكون الصعوبة مضاعفة في ظل غياب حد أدنى من "الثقة" التي هي ضرورية في السياسة، إذا حضرت صلح الشأن السياسي كله، وإذا غابت فسد الشأن السياسي كله،ورغم تجربة نظام ولد عبد العزيز الطويلة في التفاوض مع معارضيه - مع اختلاف المسميات والعناوين- بدء بمفاوضات داكار وما تلاها، إلا أن هذا التراكم من التفاوض بين الجانبين لم يولد ثقة متبادلة، بل على العكس خلق جوا من الخداع، والتحايل، جعل كل طرف يدخل المفاوضات بهدف ضرب خصمه، لكن مفاوضات النظام مع منتدى المعارضة دخلت منعطفا جديدا، وغريبا برأي المراقبين، بانتقالها من العلنية إلى السرية، ومن الرسمية إلى غير ذلك، وكانت النتيجة أن فشل الجانبين، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون.
وقد كشفت آخر جولة من المفاوضات السرية بين النظام، والمنتدى عن ملاحظات جوهرية بالغة الأهمية في السياق السياسي في البلد، سواء بالنسبة للمعارضة، أو في جانب النظام، ولعل أهم ما كشفت عنه هذه المفاوضات السرية هو:
أولا: أن المنتدى ليس على قلب رجل واحد حتى في موقفه من معارضة النظام، بل إنه لا يـُستبعد أن يكون بعض أعضاء المنتدى تجسس على مفاوضات زملائه السرية مع النظام، وسربها لاحقا للإعلام لحاجة في نفسه، ربما لإفشال المفاوضات، وإحراج المقاطعين للحوار الوطني الأخير، وإجبارهم أيضا على مقاطعة الانتخابات المقبلة حتى تخلو ساحة المعارضة المشاركة في الانتخابات لذلك الطرف ليستفيد من شعبية المعارضين المقاطعين كما اعتاد أن يفعل.
ثانيا: أن أنصار النظام ليسوا بدورهم متجانسين، أو بالأحرى فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا ينظر إلى أعلبيته السياسية، وحكومته بنفس القدر من الثقة، بدليل تكليفه رئيس أحزاب الأغلبية الشيخ عثمان ولد أبو المعالي، ورئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الأستاذ سيدي محمد ولد محم بقيادة التفاوض السري مع المنتدى، وتعمد ولد عبد العزيز تجاهل الحكومة، وحرص على تركها خارج الصورة، وهو ما جعل الناطق باسم الحكومة ينفي باستمرار وجود أي اتصال سري، أو علني مع النظام، قبل أن يعود ويحصر هذا النفي في الحكومة، دون بقية أطراف النظام الأخرى، فما الذي جعل الرئيس ولد عبد العزيز يكتم سر التفاوض مع المنتدى عن حكومته، ويكلف به رئيس حزبه، ثم هل سربت جهات ما في الحكومة أخبار هذا الحوار بعد اكتشافها أنه كان يدور خارج فلكها لإفشاله؟؟!! مجرد تساؤلات تحليلية، تبررها سوابق في هذا السياق.
ثالثا: من الدروس المستخلصة كذلك عدم صواب قرار المنتدى مقاطعة الحوار الوطني الأخير، ومقاطعة الاستفتاء الشعبي على الدستور، فالمنتدى رفض ذلك الحوار عندما كان رغبة للنظام، واليوم يلهث المنتدى خلف حوار مع النظام يرفضه الأخير بقوة، وتبدو خيارات المنتدى محصورة في احتمالين أحلاهما مر، فإما أن يقاطع المنتدى الانتخابات البرلمانية والبلدية المقررة قريبا، وفي هذه الحالة ستبدو أحزاب المنتدى مهددة بالحل بفعل القانون الجديد الذي يلزم الأحزاب بالمشاركة في الانتخابات، والحصول على نسبة معينة، وإما أن يشارك المنتدى في الانتخابات المقبلة وهو - أي المنتدى- غير مشارك في لجنة الانتخابات، أي أن المنتدى سيخوض لعبة لم يكن شريكا في وضع قواعدها بسبب مقاطعته للحوار الوطني الشامل الأخير، والأكيد أن عامل الوقت لم يعد يسعف المنتدى، فخلال أسابيع قليلة فقط سيكون على المنتدى أن يمس أي أذنيه أقرب، ويختار بين الصعب، والأصعب.