ولد بايه، وولد حدمين أبرز المتضررين من نتائج انتخابات فاتح سبتمبر (تحليل)
شكلت نتائج الانتخابات التي جرت السبت الماضي بموريتانيا مفاجأة مدوية للعديد من دوائر صنع القرار في النظام، وأكدت النتائج - المفرج عنها حتى الآن- أن من يتصدرون الفعل والمشهد السياسي في النظام اليوم ليسوا كذلك بالنسبة للشعب، ولعل أبرز من تضررت صورته بشكل يستحيل ترميمه كل من الوزير الأول يحي ولد حدمين، الذي عجز عن حسم نواب مقاطعته في الشوط الأول، ونفس العجز ظهر في بلدية جكني المركزية، والعديد من البلديات الريفية بالمقاطعة، فضلا عن تساقط مرشحين دعمهم ولد حدمين من أحزاب أخرى كأوراق الشجر، بعد أن راهن عليهم لإحراج الحزب الحاكم.
لكن خسارة العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه كانت أشد مرارة، والهزيمة أشد وقعا، فالرجل - رغم ترويجه لنفسه بوصفه الصديق الشخصي للرئيس ولد عبد العزيز، ورغم أمواله الطائلة، والتي تباهى بها ذات يوم في فيديو مشهور،- رغم كل ذلك لم يستطع الفوز ببلدية ازويرات، ولا الصعود للبرلمان من الشوط الأول، في أول اختبار حقيقي لشعبية ولد بايه في ازويرات، بعد أن أطلق عليه البعض رجل الشمال القوي، أو حفتر الشمال - كما يسميه آخرون-، أظهرت النتائج الانتخابية الحجم الحقيقي لولد بايه، وكم هو معزول، وغير محبب من ساكنة مدينة المناجم، رغم توليه منصب عمدتها لسنوات، وبات ولد بايه اليوم مجبرا على عقد صفقات "مـُكلفة" مع مسعود ولد بلخير إذا أراد الوصول للبرلمان، وفي هذه الحالة من شبه المؤكد أنه سيفقد بلدية ازويرات، فالفوز بالمقعد النيابي، يتطلب تحالفات، وتفاهمات، وصفقات تختلف تماما عن تلك التي يتطلبها الفوز بالبلدية.
كان يحي ولد حدمين يمني نفسه بمأمورية ثانية على رأس الحكومة التي تعتبر مستقيلة بقوة القانون بعد انتخابات البرلمان، لكن نتائج الانتخابات لم تسعفه في ذلك، رغم أن ولد عبد العزيز قد يحتفظ به، لا لشعبيته، بل لحسابات أخرى لا علاقة لصناديق الاقتراع بها، أما ولد بايه فقد كان طموحه أكبر بكثير، يصل حد الطمع في الترشح لرئاسة الجمهورية لخلافة صديقه الشخصي، لكن إجهاض ولد عبد العزيز لتظاهرة كانت ستنظم قبل رمضان الماضي لدعم ولد بايه، وفشل الأخير في تحقيق نتائج جيدة من الشوط الأول في ازويرات، كلها عوامل جعلت حلم الرئاسة يتبدد من بين يدي العقيد الكتوم، الذي يصفه البعض بالصدامية، وضيق الأفق، والانغلاق على الذات، وهي صفات يستحيل معها النجاح في عالم السياسة.
والمفارقة التي كرستها نتائج انتخابات سبتمبر هي أن ول بايه، وولد حدمين - رغم كونهما على طرفي نقيض، ويستحكم العداء بينهما-، إلا أن الشعب كان عادلا في توزيع الهزيمة، والخيبة عليهما، وإن اختلف طعم الهزيمة، وتداعياتها السياسية على الرجلين.