قراءة في المشهد السياسي في مقاطعة كيفه(تحليل خاص)
تُعد مقاطعة كيفه إحدى أهم مقاطعات الوطن من حيث المكانة السياسية، فهذه المقاطعة تتميز بكثافة سكانية عالية، وتنوع كبير في الطيف السياسي المتنافس حد التصارع داخل عباءة النظام، وقد مُني حزب الإنصاف الحاكم بهزيمة مدوية في هذه المقاطعة خلال الانتخابات الأخيرة، حيث فقد معظم عُمد البلديات، بما فيهم البلدية المركزية كيفه، كما فقد نائبين من أصل ثلاثة نواب يمثلون المقاطعة في الجمعية الوطنية.
لكن هذه النتائج لا تعكس - بالضرورة- حضورا قويا للمعارضة في مقاطعة كيفه، بل هي انعكاس للتنافس الحاد بين مكونات الأغلبية، وسعي كل طرف لإثبات وجوده، وهو ما جعل بعض الشخصيات التي ترى أن لديها شعبية تترشح من خارج حزب الإنصاف، وتسبب ذلك في تشتت أصوات الأغلبية، فكان الرابح الأكبر هي تلك الشخصيات التي أثبتت وجودها عبر انتزاع بلدية هنا، أو مستشار جهوي هناك، بينما حافظت نتائج البرلمان على حالها تقريبا، باستثناء خسارة حزب تواصل لمقعده الذي احتفظ به لسنوات لصالح أحد أحزاب الأغلبية.
وإذا تجاوزنا مخلفات الانتخابات النيابية، والجهوية، والبلدية العام الماضي، وما تركته من نتائج، وحاولنا قراءة الخارطة السياسية الحالية في مقاطعة كيفه، قبل أيام من انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية، يمكن أن نؤسس على مسألة من المفترض أنها حقيقة مطلقة لدى الجميع من داعمي النظام، وهي أن المترشح اليوم واحد هو رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وهذه الحقيقة بقدر ما هي فرصة لتوحيد الصفوف، والعمل المشترك لمصلحة المرشح الذي يدعمه الجميع، فهي - أي تلك الحقيقة- تحد ماثل أمام الجميع، خاصة حملة المرشح، والفاعلين السياسيين، ويكمن التحدي في انعدام الجاذبية للتسجيل على اللائحة الانتخابية، والتصويت بكثافة، وذلك لانعدام التنافس القبلي، والشخصي الذي يذكي عادة جذوة الانتخابات المحلية، التي يسعى فيها كل طرف لحصد منفعة شخصية يراها ماثلة أمامه، كمقعد في البرلمان، أو عمدة بلدية، أو مستشار في المجلس الجهوي، وهذا ما يجعل الانتخابات الرئاسية دائما أقل من الانتخابات المحلية من حيث نسبة المشاركة، والحيوية السياسية.
يمكن تقسيم المشهد السياسي في مقاطعة كيفه بشكل عام إلى قسمين بارزين، قسم يسمى الأحلاف السياسية التي ينضوي تحتها معظم الناخبين في المقاطعة- وسنعود لاستعراضها بتفصيل أكثر-، وقسم يتشكل من شخصيات فاعلة في المشهد السياسي، لا تشكل حلفا سياسيا في حد ذاتها، لكنها لا تريد الانتماء لحلف قائم، وهذا القسم الأخير نتج عنه وجود مجموعات متعددة، كل مجموعة يقودها شخص يسعى لحجز مكان بين الكبار.
بالنسبة للأحلاف السياسية، نستعرضها تاليا، مع الإشارة إلى أن الترتيب هنا لا يعني بالضرورة الأهمية الانتخابية، مع احترامنا للجميع وتقديرنا لمكانته السياسية.
أولا: حلف الأصالة والمستقبل..
يرى مراقبون للمشهد السياسي في مقاطعة كيفه أن هذا الحلف يعتبر الأكبر في المقاطعة، لأسباب موضوعية، يضيق المقام عن ذكرها تفصيلا، ولعل أبرزها، وجود هذا الحلف في معظم بلديات المقاطة، وبعضها حصل على عُمده، ويتركز الحلف أساسا في بلديات: الملكه، أقورط، كوروجل، فضلا عن بلدية كيفه نفسها، كما ينتمي أحد نواب كيفه في البرلمان لهذا الحلف.
ويتزعم الحلف الدبلوماسي السفير سيدي محمد ولد محمد الراظي، الذي استفاد من تركة سياسية ناضجة ورثها عن والده رحمه الله، وهي المكانة التي حاول الدبلوماسي، والسياسي المحنك استغلالها، ورغم ما يقوله البعض من عدم سيطرة السفير على جميع مكونات حاضنته المجتمعية، إلا أنه ظل رقما صعبا في سياسة المقاطعة، لا يتأثر حضوره بالإقالة، ولا يتعزز بالتعيين، وهي ميزة نادرة في السياسيين على المستوى الوطني، وليس فقط في كيفه، فمعظم الداعمين يميلون مع المنصب والتعيين حيث مالا، وقد عكست زيارة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الأخيرة لكيفه الحضور القوي لحلف الأصالة والمستقبل، ونظم أضخم مهرجان بساحة التيشطاية..
شاهد الراباط التالي بالضغط هنا.
ثانيا: حلف المواطنة..
ويحاول هذا الحلف حديث النشأة نسبيا ترسيخ وجوده، مستفيدا من انضمامات متنامية من "المغاضبين" من أحلاف أخرى، والمنسحبين من بعض أحزاب المعارضة، فضلا عن شخصيات سياسية ترى أن وجود الوزير لمرابط ولد بناهي على رأس الحلف قد يقربها من تحقيق منافع شخصية من الدولة، ويشهد هذا الحلف حركية ونشاطا كبيرين، ويرفع الحلف شعار "المواطنة" ويقول قادته إنهم يرفضون الدعم على أساسي عرقي، أو قبلي، وينتقدون ضمنيا استغلال القبيلة والمكانة الاجتماعية في الحقل السياسي، وهم بذلك يوجهون خطابهم لعنوان يعرفه الجميع حتى دون التصريح به.
ثالثا: حلف الوفاء..
يتميز هذا الحلف بكون قائده النائب لمرابط ولد الطالب المين من الشخصيات السياسية الصاعدة، وحاول أكثر من مرة إقناع الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية، الإنصاف) ترشيحه، لكن محاولاته باءت بالفشل دائما، فقرر الاعتماد على إمكاناته الذاتية، ودخل حلبة سياسية مليئة بمصارعين كبار، لكنه أجاد الضرب تحت الحزام، والعمل الميداني، مستغلا موارده المالية الخاصة، فكون علاقات مباشرة مع الناس، واستطاع بعد عمل شاق ومُضن انتزاع أحد مقاعد كيفه في البرلمان من بين مخالب منافسيه الأشداء، والأكثر صعوبة أنه استطاع المحافظة على مقعده في الانتخابات الأخيرة، وإن بزخم أقل من الانتخابات التي سبقتها عندما كاد حلفه يحصد مقعدين من أصل ثلاثة.
وقد شهد هذا الحلف تفككا في بعض مكوناته خلال السنوات الأخيرة، لكن قائده الشاب ولد الطالب المين اكتسب في المقابل خبرة وتجبرة في السياسة لا يستهان بها، جعلته لاعبا سياسيا يحسب له حسابه، بعد أن دخل المشهد كهاو، يبحث عن شق طريق في جبل، في محاولة وصفها البعض في البداية ب"المغامرة" لكنه نجح في مسعاه.
وإذا أردنا الحديث بلغة الأرقام التقريبية طبعا لا الدقيقة، فيمكن القول إن نحو 80% من الناخبين في مقاطعة كيفه تنتمي لهذه الأحلاف السياسية، ونسبة ال20% المتبقية تتوزع بين مجموعات، وشخصيات، بعضها يأخذ طابعا قبليا بحتا، وتبرز هنا أسماء شخصيات عديدة تتحرك ضمن هذا الحيز السياسي، لا نريد أن نقلل من شأن أحد، أو نعطي أحدا أكبر من حجمه، لكن نشير إلى أن رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين زين العابدين الشيخ احمد فشل في حجز مكان يليق به في المشهد السياسي في مدينته كيفه، وانفضت من حوله أبرز الشخصيات التي كانت تأتمر بأمره، وأبرز مثال على ذلك فشل ولد الشيخ احمد في منع ترشح عمدة كيفه الحالي ضد الحزب الحاكم، لكن الرجل الثري لم يرفع الراية البيضاء بعد، ولا يزال يقاوم سياسيا ب"متطوعين" أبرزهم الأمين العام الشاب أمادي ولد الطالب، الذي يحظى باحترام واسع داخل المقاطعة.
وبالنسبة للمجموعات غير المنتمية حاليا لأحد الأحلاف، فأبرزها "مجموعة كندره" أو إدوعيش، فهذه المجموعة تعتبر تاريخيا من أكثر المجموعات تماسكا وانضباطا، وتضم العديد من الأطر، والقيادات السياسية.
ولعل من بين أبرز الشخصيات التي تنشط سياسيا في مقاطعة كيفه، من غير قادة الأحلاف السياسية:
1/أمادي ولد الطالب الأمين العام لوزارة الثروة الحيوانية، وهو قيادي بارز بحزب الإنصاف، عينه ولد الشيخ الغزواني حاليا مديرا لحملته في مقاطعة الميناء
2/ الإطار النامي ولد صالحي، المدير العام للحظيرة الوطنية لحوض آركين، وهو قيادي بارز في الأغلبية، واختاره رئيس الجمهورية مديرا لحملته في مقاطعة عدل بكرو، وبرز دوره بشكل لافت خلال زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة لكيفه، ونشط في حملة التسجيل على اللائحة الانتخابية.
3/سيدي مولود ولد ابراهيم، الأمين العام لمنطقة انواذيبو الحرة
4/أحمد سالم ولد العربي الأمين العام لوزارة الزراعة
5/ بلخير ولد بركه، رئيس جماعة الخير السياسية، ورئيس سابق لسلطة تنظيم النقل الطرقي، ومرشح سابق لبلدية كيفه
6/محمد محمود ولد سيدبات، أمين عام سلطة منطقة انواذيبو الحرة
7/محمد محمود ولد سيدي المختار، الملقب شيده، وهو فاعل سياسي، ومرشح سابق لنائب كيفه، ويتزعم تجمعا سياسيا ناشئا، ويحظى بدعم شخصيات مهمة محليا.
وإذا كانت المغاضبة والتمرد قد طبعا مرحلة الترشيح في الانتخابات البلدية، والجهوية، والبرلمانية العام الماضي، وادعى كل شخص، وكل حلف أنه صاحبة الشعبية الأكبر، فإن المرحلة اليوم مختلفة تماما، وسيكون الجميع (أحلافا، وشخصيات) مطالبين بأن يبذلوا الجهود نفسها التي بذلوها لصالح مرشحيهم العام الماضي، يبذلوها من أجل التصويت للمرشح رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وإلا فإن النتيجة النهائية ستكون أنهم داعمون لمصالحهم الشخصية فقط، وليس للنظام، أو رئيسه.