أحمد " يضربوني ويشتموني لكن أترك أمرهم لله" (قصة إنسان)
- التفاصيل
- المجموعة: تقارير
- نشر بتاريخ السبت, 27 أيلول/سبتمبر 2014 11:43
حروب الكبار لا يدفع ثمنها إلّا الصغار؛ صغار العمر، وصغار النفوذ، وصغار المال ... هذا ما ينطبق على كلّ شعب عاش حربًا داخليّة، ولم يجني منها سوى التهجير والذلّ، ولم يحصد سوى الخسائر؛ خسارة الأحباب وخسارة الأرزاق والأملاك...
"ماسح الأحذية" ليست فقط قصّة قرأناها في الصفوف الابتدائيّة، وتعلّمنا منها عبرًا وقيمًا إنسانيّة واجتماعيّة، وأصول قواعد اللغة والكتابة، بل هي قصّة أحمد أيضًا،
شاب في السادسة عشرة من عمره، هُجِّر إلى لبنان بعد اندلاع الحرب في سوريا، هربًا من القصف وبحثًا عن لقمة العيش. هرب إلى لبنان مع عائلته المؤلفة من الوالد الستيني والوالدة التي تصغره بسنوات، ومن ثلاثة أشقاء وشقيقة وحيدة. هربوا من سوريا وتركوا أرضهم وأرزاقهم وبيتهم، وسكنوا في بيروت.
من الزراعة إلى مسح الأحذية
أحمد الذي يبدأ عمله عند السابعة صباحًا ولا ينتهي إلّا بحلول الظلام، يدور في شوارع الحمرا بحثًا عن الزبائن وعن لقمة العيش. يروي قصّته لـ"النهار" ويقول: "كنّا نعمل في الزراعة ولدينا أرضنا الخاصّة، لكن بسبب القصف خسرنا كلّ شيء وهربنا إلى بيروت".
ويضيف أحمد والطلاء الأسود يكسو وجهه من غير أن يخفي الحزن في عينيه السوداوين: "بعد أن كنت أعمل في الزراعة، أصبحت أمسح الأحذيّة. أعمل لأعيش أنا وأخوتي وأهلي. تعلّمت المهنة خلال يوم واحد على يد رجل سوري يعمل في الحمرا أيضًا، لكنني اليوم أبحث عن عمل مختلف يدرّ مالًا أكثر، ويكفي لسدّ حاجاتنا ودفع إيجار المنزل، بعدما بات كثيرون يضيّقون على عملنا، ولم نعد نسترزق مثل الأوّل".
الدنيا دوّارة
ويستذكر أحمد حياته السابقة، ويقول: "العمل في الزراعة أجمل، كلّنا كنا نعمل في الزراعة، لكن الحرب بدّلت الأحوال. أخي يعمل في العتالة وأنا وشقيقي الأصغر في مسح الأحذية، فيما والدي يلازم المنزل بسبب تقدّمه في العمر. لا أتقاضى سعرًا محدّدًا لأمسح حذاءً، أخذ ما يعطيني إيّاه الناس، أحيانًا أنهي يومي بخمسة وعشرين ألف ليرة، وأحيانًا أكثر بقليل أو أقلّ، بحسب الرزقة. أتمنى لو بقيت في مصلحتي وفي زراعة الخضار، لكن الدنيا دوّارة".
مسح الأحذية يعرّي المجتمع
يلتقي أحمد بكثيرين يوميًا، يتعرّف إلى أناس بنظرات مختلفة، هناك من يشفق عليه، وهناك من يهزأ منه، وهناك من يشيح بوجهه عنه متأفّفًا، وهناك من يضربه ويذلّه، ويقول: "هناك أناس جيّدون، وهناك عكسهم. ناس يحترموني وآخرون يهزأون بي، لا أواجههم ولا أردّ عليهم، أنا لست بمستواهم كلّ ما أريده هو أن أسترزق".
لا يخجل الشاب من نفسه، ولا يتمنى سوى رضا الله، فيقول: "لا أخجل من نفسي (الشغل مو عيب)، لكن المزعج في هذه المهنة هم الناس الذين لا يحترموننا. أحيانًا يضربني أحدهم على رقبتي، وآخر يطردني عن الرصيف، وبعضهم يشتموني فقط لأن عينيّ تلاقت بعيونهم، ولكني لا أستطيع قول شيء، ولا أفكّر بردّ الصاع صاعين، بل أشكي أمري إلى الله، فهو وحده العالم والمُدرك. هذه المهنة علّمتني أن لا عدالة ولا رحمة في الحياة".
أتمنى العيش دونما ذلّ
أحمد لم يذهب يومًا إلى المدرسة، ولا يجيد القراءة والكتابة، ولا يملك أحلامًا للمستقبل، لكن جلّ ما يريده هو العثور على عمل محترم، والعودة يومًا ما إلى أرضه، ويقول: "أتمنى العودة إلى أرضنا، لنأكل عيشنا من دون أن نذلّ. لا أريد شيئًا من هذه الحياة، ولا أتمنى أن أكبر على العالم، فحتى لو دارت الأيّام مجدّدًا وأصبحت أمتلك المال، فلن أتكبّر على أحد بل سأساعد الفقير، لأني أعرف معنى العوز والفقر والتعتير".