مع أحلام موسى افال... محمد ولد سيدي عبد الله
قرأت مقال موسى أفال المنشور في صحيفة "لموند" الفرنسية واستغربت تعمّد الكاتب للتّزييف والتّحريف، وميوله إلى رؤية الأشياء وفق مبدأ "سبينوزا" الذي يعتقد (أننا لا نرى الأشياء ببصائرنا، لكن الرّغبة هيّ التي ترينا الأشياء مليحة) فالكاتب يسعى لأن يحوّل أحلامه إلى واقع، فيقول (إننا أمام معارضة تنمو وتتوسع، ونظام يعيش أيامه الأخيرة)
هي أحلام اليقظة، ومفردات السّكر، وقواميس الحانات، لأنهم في الأحلام وفي حالات السّكر، وداخل الحانات، يُغيبون الحقيقة وينزعون العقال، للعيش دقائق في عالم افتراضي، يسبحون خلاله في الهوى، ويمرحون في الأهواء، لكن تلك الدّقائق الكاذبة، ما تفتأ أن ترتطم بجدار الحقيقة الصّامد، فيتحوّل المشهد الكاذب إلى سراب.
على الكاتب أن ينسج إنتاجه في دقائق الصّحو، وأوقات الصّدق، وعليه أن يتجرد من الرّغبة حين يخاطب العموم...
(إن موريتانيا بمساحتها الواسعة وشعبها القليل...) بهذه الكلمات استهل الكاتب مقاله، غافلا عن الإسهامات السّكانية في التنمية، غير مدرك أن قلة السّكان تعتبر إحدى عوائق التّنمية، ومتجاهلا أننا نحمي حوزتنا التّرابية، ونساهم في توطيد السّلم والسّلام في المنطقة وفي القارة، وهي سابقة في تاريخ موريتانيا الحديث، باعتراف من الجهات التي يغازلها الكاتب من خلاله مقاله الخجول...
وفي تمرّد على المنهج التّقدمي، الذي يدّعي الكاتب أنه اتّبعه منذ نعومة أظافره، يحاول أن يُبرر الرّشوة التي تلقاها بعض الأشخاص، وتم التّعرف من خلال تسجيلات صوتية، على الرّاشي والمرتشي والرائش، وحتى الرّشاء، وتم التّأكد من سعي هؤلاء إلى حرق البلاد، وتدمير بنيتها التحتية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، تحت يافطة أزمة النقل، وفي سّياق متّصل يَعتبر موسى أفال، أن التّعديلات الدّستورية التي شهدتها المنظومة القانونية في البلاد مؤخرا، لا تكتسي أي أهمية، في تناقض صارخ مع ما رَوجت له زمرته طيلة الشهور الماضية، من انعكاسات هذه التّعديلات والتّغييرات، على الحياة العامة ببعديها الثقافي والسياسي...
المعارضة يا موسى افال لم تعد موجودة إلاّ في ذهن بعض الفاشلين، وعناصر من اليائسين، ومفسدين سابقين لم يجدوا أماكن في طابور الإصلاح، والمعارضة موزعة إلى تقسيمات وتوجّهات، والمعارضة تسخر من الوطن، وتسنجد بالغير، والمعارضة اليوم تروّج الفتن وتسوق الأحلام، والمعارضة عاجزة عن الوقوف مجتمعة لالتقاط صورة تذكارية...
كان عليك أن ترسل هذا الخطاب إلى الإعلام الوطني، ما دمت تخاطب رأيا عامّا وطنيا، لكنك ارتأيت نزولا عند رغبة رجالات المال المبهورين بالإعلام الخارجي، أن توجه خطابا لم يعد مفهوما في الوسط الدّاخلي، إلى صحف عالمية، نجحتَ في الشّطط والمزايدة، واستهوتك المغالطات، لكنك صوّرت بإبداع حجم إفلاس قادة الرأي والفكر وحملَة الأقلام في فلككم، وعبّرت بإيضاح عن دور المال في قواميسكم، وأقررت أنه سيد الأفكار والآثار، وسجلت اسمك ضمن قائمة "المبدعين" من أولاد البلاد خارج البلاد.
وغير بعيد عن سياسة التّحريف التي اتبعها الكاتب، تم التّعرض لانتهاك الحقوق وسلب الممتلكات وتهجير الأشخاص، المتّفق عليه أن المنابر لم تفتقد صوتا، ولم يَهجُر المحابر مدادٌ ،ولم تبك المآذن على أحد، لقد اختار بعض رجال الأعمال الإقامة في الخارج، بعدما أوصدت بوابات الفساد، وبدأنا نعيش في كنف العدل والشّفافية، لأن هذا الفضاء النّاطق بهذه المصطلحات، لم يسعهم، ورغم ذلك بقيت مؤسساتهم المصرفية والصناعية تعمل كباقي المؤسسات في البلاد، في شهادة على العدل وعدم المضايقة تجاه أصحاب الرأي الآخر، على العكس مما حاولتم الإشارة إليه...
نحن الآن نعيش أوَج موريتانيا الجديدة، نعيش لحظات تناسيناها أكثر من نصف قرن من الزمن، نعيش لحظات الوفاء لشهداء كادت أسماؤهم أن تُمحى من ذاكرتنا لولا قدرة قادر، نحن الآن ننتظر أنشودة الوطن، ونحن الآن نعيش الأمن والأمان ونتنفس السّيادة، ولن تفسد هذه اللّذةَ رسالةٌ خجولة تترعُها مآرب وغايات غير بريئة، وتشحذُها سيوف تعادي الوطن، وتُسر إليها حبالٌ تُهدي المساهمة في القمار من أجل الغمار.
الأكيد أنّ الوطن وأهله، سيظلون أوفياء للإصلاح، وسيقفون أمام كل منحرف مغالط، والأكيد أيضا أن المسيرة المُظفرة، سدك قلاع المتورطين بأفعالهم، والمتسلطين بألسنتهم، تلبية لحاجتنا إلى الحق، وحاجة البلاد إلى الطّهر والتّطهير من أمثال هؤلاء.