بعد أن فاتها قطار الحوار، المعارضة المقاطعة تتحسس خياراتها الصعبة (تحليل)
تسارعت وتيرة الخطوات الممهدة للاستفتاء الشعبي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي الأخير، لتنفيذ أهم مخرجات الحوار الوطني الشامل، وهو التعديلات الدستورية، فقد صادقت الحكومة في اجتماعه الأخير على مشاريع مراسيم الاستفتاء، في حين دخلت قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في اجتماعات مكثفة، بالتنسيق مع الحكومة، وبقية أقطاب الأغلبية، كما بدأت التعبئة الشعبية للاستفتاء عمليا في شكل مبادرات، وتجمعات نظمها بعض الأطر، والوجهاء في أكثر من مقاطعة.
في المقابل تبدو المعارضة المناوئة للاستفتاء (المنتدى) في حيرة من أمرها، واكتفت بمؤتمر صحفي يتيم في مقر حزب تواصل، الذي بات المكان الوحيد لمؤتمرات المنتدى، كمال يتولى الحزب صياغة بيانات المنتدى، وينحصر دور الأخير في تلاوة تلك البيانات، ويعاني الطيف المعارض في البلد من تشرذم لا سابق له، وهو ما جعل الفعل المعارض منزوع الدسم، وبلا أنياب، ويكاد يكون مجرد خرجات إعلامية، وترديد مصطلحات، وجـُمل معروفة سلفا، فالمنتدى عاجز عن انتخاب رئيس جديد له، بعد انتهاء مأمورية رئيسه السابق ولد باب مين، الذي اختفى عن مؤتمرات المنتدى حتى قبل انتخاب بديل له، تاركا سفينة المنتدى تائهة بلا رُبان، ورغم تأكيد قادة المنتدى أن انتخاب رئيس جديد مسألة أيام فحسب، إلا أن ذلك لم يحصل، ومرت أسابيع من الفراغ الرئاسي في المنتدى.
أما مؤسسة المعارضة الديمقراطية فتبدو في وضع صعب، ومشلولة الحركة، فأنصارها ليسوا جزء منها، لأنهم لم يشاركوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأعضاؤها ليسوا على توافق مع زعيمها في الموقف من الحوار، والنظام، (حزب الوئام) وزعيم المعارضة يكتفي بإصدار بيانات إنشائية، واستقبال بعض الزوار من الداخل، والخارج، وكأنه استطاب المكتب الفخم، والامتيازات المالية، والبروتوكولية المـُغرية، ولا يبدو معنيا بالنضال، ومقارعة النظام، ويطبق ما يسميه حزبه –حزب تواصل- "فقه المرحلة" وتقدير اللحظة.
فقدت المعارضة إذا زمام المبادرة، وربما باتت عاجزة حتى عن ردة الفعل، ومسايرة نسق الأحداث التي تجاوزتها حتى بمجرد بيانات، ومؤتمرات صحفية، لا يملك المنتدى حتى الآن مقرا مركزيا ينظم فيه أنشطته، ولم يعلن عن خطواته المستقبلية، وكأنه رضي من المعركة بالإياب، ويراهن على عامل الزمن، ولسان حال قادته يقول.. وما سنة 2019 عنا ببعيد، لكن المراقبين يرون أن السياسة فعل، وتخطيط، وتدبير، وتحالفات، وحشد، ومن يراهن فيها على الزمن سيظل على الهامش.
لقد جرب البعض سياسة المقاطعة فندم، وجرب آخرون سياسة المشاركة مع التشكيك في الشرعية، فباتوا في موقف صعب أخلاقيا، وسياسيا، ولم يعد أمامهم سوى الانخراط في المسار السياسي للبلد، والمساهمة في رسم مستقبل موريتانيا، وقبول الاحتكام إلى الشعب، باعتباره مالك السلطة، ومانح الشرعية، فذلك أسلم لهم، وأي خيار غير ذلك – مقاطعة، أو تشويشا- سيظل فعلا عبثيا، لا يعود بالنفع على أصحابه، ولا يلحق ضررا بخصومهم السياسيين، فهم في النهاية الخاسر الأكبر، وسيكتوون مرة أخرى بآلام سياسة المقعد الشاغر، وحينها يقلبون أكفهم على ما أنفقوا من وقت، وجهد لتحقيق أهداف يعلمون مسبقا أنها غير قابلة للتحقيق، وعندما يركب السياسي رأسه، أو يصعد أعلى الشجرة لن يكون أمامه إلا القفز في الظلام.
سعدبوه الشيخ محمد