هل تحاول المعارضة ركوب لحراطين؟
ربما من المشروع، بل المطلوب أن تحاول الأحزاب السياسية استغلال أي حدث لتحقيق مكاسب سياسية لصالحها، فالسياسة لعبة، كل يحاول فيها كسب النقاط، وتسديد الضربات للخصم، بمنطق يكون فيه الهدف يبرر الوسيلة أحيانا، وتضيع المبادئ، وتتم التضحية بها، وهو ما يسمى "الانتهازية" المحضة.
لكن ما يثير الاستغراب، والدهشة، والشفقة أيضا هو تنادي بعض أحزاب المعارضة فجأة للدفاع عن حقوق لحراطين، والمطالبة بإنصافهم، ومناشدة جماهير انواكشوط المشاركة في المسيرة المزمع تنظيمها يوم 29 الشهر الجاري، وتحميل النظام الموريتاني الحالي مسؤولية "التباطؤ" في محاربة آثار العبودية، وهنا لابد من تسجيل بعض الملاحظات الضرورية في هذا المقام، والسياق.
أولا: إن صحوة ضمير المعارضة، التي ظهرت فجأة، هي في الحقيقة كلام حق أريد به مصالح – حتى لا نقول أريد به باطل- وإلا فما الذي قدمته هذه الحزاب المعارضة في سبيل محاربة الاسترقاق، ومكافحة مخلفاته، على الأقل من مقترحات، أو نضال، ما دامت الوسائل المادية بيد السلطة؟؟ وهل تشرك هذه الأحزاب شريحة لحراطين في قيادتها، ودوائر صنع القرار فيهان أم تهمشها، وتصادر آراءها؟
إن هذه الأحزاب المعارضة التي أمطرت الساحة الإعلامية بوابل من البيانات، كلها تضامن مع لحراطين، وتنديد بالاسترقاق، وانتقاد للنظام، هي في الحقيقة تذرف دموع التماسيح، في قضية سحب نظام ولد عبد العزيز البساط من أي جهة قد تستغلها – حقا، أو باطلا- بسياسته، المعتمدة على التمييز الإيجابي لصالح هذه الشريحة، عبر إنشاء وكالة بحجم وزارة، مكلفة خصيصا بمساعدة ضحايا الاسترقاق، ودمجهم في الحياة النشطة، علاوة على ترسانة القوانين المجرمة للعبودية، وإشراك هذه الشريحة في دوائر السلطة...الخ.
ثانيا: إن دعوة ثلاثة من أهم أحزاب المعارضة جماهير انواكشوط للمشاركة في مسيرة 29 الشهر الجاري تعبر عن مستوى عميق من الإحباط، واليأس، والإفلاس السياسي، فأنا شخصيا حضرت آخر مهرجان نظمته هذه الأحزاب مجتمعة، وبمساعدة غيرها، وروجت له كثيرا، ومع ذلك لم يحضره سوى المئات، بل إن المنصة الرسمية بقيت بها مقاعد شاغرة، وتم توثيق ذلك بالصور.
فهل تأمل المعارضة من جماهير انواكشوط، أن تلبي دعوتها هذه المرة، بعد أن خذلتها أيام شعارات الرحيل، ومهرجانات التحدي، واعتصامات التغيير؟
ثالثا: الملاحظة الثالثة هي سؤال كبير مفاده: كيف نفهم مقاطعة مسعود ولد بلخير، وبيرام ولد اعبيدي لمسيرة لحراطين، ودعوتهما لمقاطعتهما، في حين تتنادى أحزاب أخرى معارضة بحماس لهذه المسيرة ؟!!
رابعا: أولا تعتبر محاولة استغلال مأساة ضحايا الاسترقاق لتحقيق مكاسب سياسية شخصية ضيقة، امتهانا لكرامة هذه الشريحة، وتقزيما لمطالبها، وركوبا لهذه الشريحة، قد يرقى لدرجة الاسترقاق، بدرجة ما؟؟.
خامسا: إن مسيرة لحراطين المنتظرة حققت هدفا مهما، عجزت عنه عديد المبادرات، والمناسبات، ألا وهو تحقيق وحدة بين حزبين كبيرين معارضين، ظهر بينهما مؤخرا من الجفاء أكثر مما بينهما مع النظام.
سعدبوه ولد الشيخ محمد