عاجل إلى المغاربة.. قبل المقال الثالث
مرة أخرى تطالعنا بعض المواقع بخرجة إعلامية، لشخصية مغربية، تدعي الثقافة، والاطلاع هذه المرة، ... لقد قرأت مقال الأستاذ محمد وراضي بتمعن، وتأملت ما بين سطوره، فخرجت بملاحظات بارزة:
الأولى: أن الرجل كان يخاطب القارئ، والنخب المغربية في جزء كبير من مقاله، حتى إنه استشهد باسم سوق شعبي في مدينة سلا قرب الرباط، والأكيد أن الموريتانيين – في عامتهم- لا يعرفون، ولا يميزون بين أسواق المدن المغربية، فالرجل حاول جاهدا أن يظهر للمغاربة أنه خبير بالشأن الموريتاني، كما زعم، سواء في الشأن الاقتصادي، أو السياسي، أو الاجتماعي، والعرقي.
حتى إن وراضي تحدث عن دقائق الحياة الموريتانية بأسلوب يوهم الاطلاع، وهو في الحقيقة خداع، وتمويه، لا ينطلي إلا على أسياده في المغرب، وقد بدا أسلوب وراضي في هذا المقال أشبه بأسلوب من يعد تقريرا استخباراتيا، تم تكليفه بإعداده، وليس تحليلا أكاديميا، أو مقال رأي!.
أما الملاحظة الثانية فهي: أن صاحب هذا المقال حاول بكل ما أوتي من كيد، وحقد أن يشعل حربا أهلية بين مكونات الشعب الموريتاني، فلم يترك عاملا من عوامل التفرقة إلا واستخدمه لتحريض الزنوج على إخوتهم الآخرين، بل واتهم جزء من الشعب الموريتاني بأنه عنصري، واستبدادي، واستكباري، ووصف جزء آخرا من الشعب الموريتاني بأنه مضطهد، ومظلوم، ومصادر الحرية، ومهمش.
وبعد أن استنفد سمومه، واستخدم كل أسلحة التفرقة، وبات مقاله تفوح منه رائحة العنصرية البغيضة، دعا الرجل بشكل صريح جزء من الشعب الموريتاني لما أسماه "الانتفاضة" ضد جزء آخر من الشعب، واستشهد الرجل بما قال إنها حوادث كان شاهدا عليها، هي – إن صدقت- مجرد مشاجرات فردية، تقع حتى بين الإخوة الأشقاء، وليست مؤشرا على احتقان اجتماعي، ولا دليلا على عنصرية طرف ما، كما زعم هذا الكاتب- عفوا الكاذب- المغربي، فأن يتشاجر شخصان في حافلة، أو يشتبك صاحب حانوت مع أحد زبنائه، أو يتخاصم تلميذان في مدرسة، فهذه لا تعتبر – بالمرة- أحداثا عامة، يمكن إسقاطها على مجتمع بأسره، ومن ثم استنتاج خلاصات عنصرية، كتلك التي خلص إليها وراضي في هذا المقال.
الملاحظة الثالثة هي: أن هذا الرجل تحدث عن انطباعاته عن موريتانيا منذ نحو 30 سنة، وقال إنه غادرها منذ ذلك التاريخ، فلماذا لم يفصح عن هذه الآراء، أو المعطيات إلا في هذا التوقيت بالذات؟! ولماذا تحدث هذا الكاتب المغربي عن جميع الانقلابات في موريتانيا، وتجاهل محاولة الانقلاب، المنسوبة للزنوج؟ ثم لماذا أصر الرجل على الربط بين موريتانيا، والجزائر في حديثه عن العسكر، ودورهم في ما سماه القضاء على الديمقراطية؟!
إن مسألة توقيت نشر هذا المقال لا تخلو من دلالة، فهو يأتي بعد أشهر قليلة من مقال آخر منسوب لكاتب مغربي هاجم فيه بشدة النظام الموريتاني الحالي، ونعته بكل النعوت السيئة، والسلبية، وعزف هو الآخر على وتر التنوع العرقي في موريتانيا، في محاولة لإشعال فتيل حرب أهلية، وكأن الجهة التي تقف وراء المقال الأول أرادت ضخ دماء جديدة في جهود زعزعة موريتانيا، مستغلة فرصة مسيرة الزنوج الأخيرة، حيث تحدث الكاتب عن وجود قليلة للزنوج في الإدارة في موريتانيا، في أكبر كذبة من أكاذيب هذا المقال، فالزنوج من بينهم وزراء، في وزارات سيادية، وموظفون في جميع دوائر الدولة، بل ووصل أحد المواطنين الزنوج لرئاسة البلاد، وهو المرحوم با ممدو الملقب امبارى.
لقد كان هذا الكاتب المغربي عادلا في توزيع تهمه، وأوصافه السيئة على الجميع في موريتانيا، فهو وصف العرب، أو "البيظان" بأنهم عنصريون، واستعباديون، ووصف "لحراطين" بأنهم قليلو الفهم، وأميون، ووصف الزنوج بأنهم ضعفاء، ومستكينون، ووصف العسكر بأنهم انقلابيون، ومتجبرون، ودكتاتوريون، كما وصف القبائل الموريتانية بأنها عون للعسكر على استمرار الظلم، والدكتاتورية، ولم يسلم من إساءة هذا الرجل حتى المناخ، والهواء الموريتاني.
لقد حاول هذا الكاتب المغربي أن يمن على الموريتانيين بسنوات قال إنه أمضاها في انواكشوط كأستاذ في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، والمدرسة العليا للأساتذة، وكأن الموريتانيين بحاجة لمن يعلمهم التربية الإسلامية، وهم من درسوها للعالم في الحجاز، ومصر، وإفريقيا، وهم من تربع علماؤهم على دور الإفتاء في أصقاع الدنيا، وهم من يوصفون ببلاد المليون شاعر، فهل تعتقد – يا وراضي- أننا بحاجة لنتعلم أصول لغة الضاد ممن لا يميز بين التاء، والثاء؟!
فقبل أن تطالعونا بالمقال الثالث، وقبل أن تتعبوا أنفسكم في نسج معلومات مجافية لللحقيقة، ومغالطة للتاريخ... أقترح عليكم أن تستسلموا، وتتيقنوا من أنكم لن تستطيعوا بث الفرقة، ولا إشعال حرب أهلية في موريتانيا، فتنوعنا العرقي – الذي تستخدمونه سلاحا ضدنا – كان دائما- وسيظل – مصدر ثراء، وعامل قوة لنا.
وأذكركم بأننا لا نريد أبدا أن ننشغل عن تنمية بلدنا بالرد على محاولاتكم زعزعة سلمنا الأهلي، ولا نريد أن ننشر غسيلكم للعلن، فمن كان بيته من زجاج عليه أن لا يرمي القلاع المحصنة بالحجارة.
وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين.
سعدبوه ولد الشيخ محمد