هل بدأ تدويل ملف لحراطين من داكار ؟
تحتضن العاصمة السينغالية اليوم الجمعة مؤتمرا لشباب لحراطين، ويأتي انعقاد هذا المؤتمرا تزامنا مع تخليد الذكرى السنوية الثانية لمسيرة ميثاق لحراطين، المطالب بحقوق سياسية، واجتماعية، واقتصادية لشريحة لحراطين، ويتساءل بعض المراقبين عن سبب تنظيم مثل هذه المؤتمرات " الفئوية" خارج البلاد، في ظل سماح السلطات الموريتانية للجميع بتنظيم أي نشاط يريدونه، سواء كان مسيرة، أو وقفة، أو مؤتمرا ؟
مصادر إعلامية ذكرت أن معظم المشاركين في مؤتمر داكار ينتمون لولاية اترارزه، وغالبيتهم من طلاب داكار، ما يطرح سؤالا جوهريا عن مدى تمثيليتهم لشريحة لحراطين ببعدها الوطني الشامل، فهل تسعى جهات ما لتوفير حاضنة خارجية لحراك لحراطين الحقوقو، الذي ظل وطنيا خالصا؟ وما الهدف من تدويل هذا الملف؟.
يرى خبراء السياسة، وعلم الاجتماع أن الحركات الحقوقية تفقد زخمها، بل ومشروعيتها عادة عندما ترتمي في أحضان دول خارجية، أو تسعى لاكتساب قوتها من الخارج، وتصبح هذه الحركات - في هذه الحالة- متهمة ومطالبة بترئة نفسها من تهمة " العمالة" خصوصا إذا كان بلدها يشهد انفتاحا يسمح بتنظيم الأنشطة الجماهيرية فيه بكل حرية - كما هو الحال في موريتانيا اليوم-.
مما لا شك فيه أن نشطاء شريحة لحراطين - كغيرهم- من المواطنين يمتلكون كامل الحق في التعبير عن آرائهم بكل حرية داخل بلدهم، حتى لو كانت آراء متشددة، أو معارضة للنظام، لكن عندما يختار هؤلاء السفر إلى الخارج لعقد مؤتمرات يصفونها ب" الدولية" يكون الأمر مختلفا، ويثير قضية استضافة دولة ما لأنشطة معارضة، أو معادية لدولة أخرى، وما يترتب على ذلك دبلوماسيا، وسياسيا، وأمنيا، فهل ستنسق السلطات السينغالية مع نظيرتها في موريتانيا فيما يخص مثل هذه الملتقيات؟ أم أن للأمر قراءة أخرى قد تكون معاكسة ؟
جمهورية السينغال التي تواجه مطالب متزايدة لانفصال اقليم " كازامانص" وهي مطالب ترفعها حركة مسلحة، يقدر عناصرها بالآلاف، حملت السلاح منذ مطلع الثمانينات، لا تبدو السينغال في هذه الوضعية بحاجة للدخول في الشؤون الداخلية لجيرانها، على الأقل خوفا من مبدأ المعاملة بالمثل، فمن يسكن بيتا من زجاج، لا يرمي الآخرين بالحجر.
أنا شخصيا أدعم نضال لحراطين داخل موريتانيا لنيل حقوقهم في المساواة، والعدالة، وأؤيد أي خطوة يقومون بها في هذا الاتجاه من داخل البلاد، باستثناء حمل السلاح، لكنني في المقابل أعارض أبسط خطوة تنظم في الخارج، أو تأتي منه، فتدويل المشاكل المحلية لم يأت يوما بحل لها، بل جلب نتائج كارثية، يكون أصحابها أول المتضررين منها، والأمثلة الحية على ذلك كثيرة.
إن اختيار العاصمة السينغالية داكار لبدء أنشطة تدويل ملف لحراطين، ليس بريئا، وقد يجلب مخاطر جمة على البلدين، فمعروف طبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين، والتداخل الاجتماعي، وينبغي أن ينكب البلدان على إيجاد حلول وطنية لمشاكلهما، بعيدا عن لعبة استضافة، واحتضان المعارضين، التي تكون عادة بداية لأزمات دبلوماسية، لا تأتي بنفع لأي طرف، فمن يظن أن لدى السينغال ما يمكن أن تقدمه لشريحة لحراطين فهو مخطئ، ومن يعتقد أن بإمكان السينغال أن تحرج موريتانيا فهو واهم، وعليه مراجعة حساباته قبل أن يفوت الأوان.
أعتقد أنه كان على من توجهوا لداكار لحضور مؤتمر شباب لحراطين أن يولوا وجوههم شطر آدوابه امبود، وباركيول، وكنكوصه، ... وغيرها، للحديث مع العمق الحقيقي لهذ الشريحة، ورصد معاناة سكان هذه المناطق، وتقديم دراسات اقتصادية، واجتماعية، وقانونية على الأقل لإحراج النظام الموريتاني، وإقامة الحجة عليه، بدل تسويق الملف خارجيا في مزاد العواصم الأجنبية، لأن شريحة لحراطين بحاجة لمن يعيش معها معاناتهم، وليس من يتاجر بها، وهو يعيش في رغد من العيش.
إذا كانت موريتانيا الرسمية لن تكون ممثلة في مؤتمر لحراطين في داكار، فعن أي حلول يتم الحديث؟ ومن سيطبق تلك المقترحات إن وجدت؟ أم أن منظمي مؤتمر داكار يتجاهلون الحكومة الموريتانية، ويتعاملون معها وكأنها سلطة أمر واقع، لا شرعية لها، وبالتالي غير معنيين بالتنسيق معها للبحث عن حلول للمشكلة ؟ أعتقد أن مؤتمري داكار بحاجة للإجابة عن هذه الأسئلة الجوهرية.
إن مسألة ادعاء تمثيل شريحة لحراطين، والمتاجرة بملفهم في الخارج تحتاج لتدقيق، وتوضيح، ذلك لأن لحراطين في الواقع ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم يدعم النظام الموريتاني، ويرى أنه في طريقه لحل مشكل مخلفات الرق، ومن هؤلاء وزراء، وبرلمانيون، وموظفون كبارا، ومواطنون بسطاء.
وقسم معارض للنظام، لكنه أيضا معارض لأسلوب حركة " إيرا" في التعاطي مع ملف لحراطين، وهذا قسم عريض من هذه الشريحة، والقسم الثالث هو من يدعم توجهات حركة إيرا، ويرى فيها المخلص، لكن أظن أن غالبية هذا القسم لا توافق على تدويل القضية، والمتاجرة بها، وهو ما عكسته الانشقاقات الأخيرة من حركة إيرا.
بالنظر إلى الاعتبارات آنفة الذكر يتضح أن مساعي البعض لتدويل ملف العبودية في موريتانيا يعد مجازفة خطيرة، وهروبا إلى الأمام، قد تحقق مصالح شخصية ضيقة آنية للبعض، لكنها لن تفيد القضية على المدى البعيد..
سعدبوه ولد الشيخ محمد