جحا رئيسا للبلاد (رأي حر)
قد قارب موسم الانتخابات الرئاسية وتسارعت دجاجات السياسة “تنقنق” أو “تبقبق” خطابات ملتهبة، وتنقر الأرض بحثًا عن أصوات انتخابية. تتصارع فيما بينها على مناطقها ودوائرها، ثم تارة ترفرف بأجنحتها كعارضة أزياء، وتارة تجري كمتسابق في الأولمبياد. كل هذا يحصل وفخامة الرئيس الديك جحا نائم. وما إن أصبح الموعد على بعد خطى؛ استيقظ جحا واستدعى مدير حملته الانتخابية.
“هل انقضت الانتخابات؟ فلتهزؤوا بخصمي في الإعلام أو أهدوه إلى (كنتاكي) هدية”.
أجابه مدير الحملة: “لا يا فخامة الديك، بل هي على الأبواب؛ وقد أعددت لها برنامجًا يسلب الألباب”.
كان مدير الحملة من أذكى “الحمير” في الدولة وأمكرهم. وله في تاريخ صناعة القادة -الديوك والبشر- سجل من الإنجازات، أو قد نقول معجزات. ألم تسمعوا عن القط رئيس وزراء الفئران؟ يقال إن الفضل يعود لدهاء الحمار، وفي مقولة أخرى لحميرة الفئران. استدار الديك لينظر إلى صنيع الحمار؛ فقد نصب لوحة إرشادية رسم عليها خطوات الحملة، ثم أخذ الحمار يشرح:
“كما ترون فخامتكم؛ نضاعف الخدمات العامة في المناطق الموالية لنا، أما مناطق الخصوم فنمنع عنها الخدمات، ثم نترك الصحافة تتناول خطابات مفبركة بين المرشحين ومسؤولي الخدمات تدعي أن نقصها جاء تلبية لطلبات المرشحين حتى يعيبوا في الدولة ويضمنوا نجاحهم؛ بذلك تثور ثائرة الناس عليهم لاستغلالهم مصالح العباد في حرب انتخابية دنيئة. يظهر بعدها فخامتكم بمنظر البطل القومي حين تأمرون بالتحقيق مع المرشح والمسؤول ثم تطلقون يد الخدمات على الناس، فلا تسمعون سوى حمدًا وثناء”.
نظر الملك إلى الحمار بنظرة مبتهجة ومبهورة: “ولكن، ماذا لو اكتشف الناس اللعبة؟”.
أجابه الحمار: “أمرها بسيط فخامتكم؛ نقول هذه مؤامرة من قبل المرشحين مدفوعة بأيادٍ خارجية، وبما أن الأعداء يتربصون بنا، والدجاج دومًا في هلع وخوف، والأمن في كل الأحوال أولى من الحرية؛ نلغي الانتخابات ونطلق عنان قانون الطوارئ حتى ينعم الناس بالأمن. وبعد عام من البطولات الأمنية وأخبار عن خلايا إرهابية تُفكك، وأوكار تُداهم وخُطط تُحبط، ويعود فخامتكم بطل الدولة القومي؛ نفتح باب الانتخاب من جديد ويكون الرئيس أوفر المرشحين حظًا بالفوز”.
اطمئن خاطر الديك جحا وعلم أن عرشه محفوظ بمباركة شيطانية: “جميل! جميل! فل تسموني مرشح الشباب، وإن كنت قد كبرت في السن؛ فلتسموني راعي الشباب”.
ابتدأت الحملات الانتخابية ولبست الدجاجات المرشحة حلة العصافير من الكناري والبلبل والهدهد، وأخذوا في التغريد بألوان وأصوات مختلفة. وما إن ابتدأ الاقتراع؛ هلت جموع “الصوص” والكتاكيت على أبواب القاعات حاملين صور الديك جحا وشعارات “جحا رئيسًا للبلاد”، وقد امتلأت أفواههم بالحب والماء. أقبلت الكتاكيت من كل جمع وصوب من داخل البلاد وخارجها كل يدلي بصوته للديك جحا. وبعد انقضاء الاقتراع وفرز الأصوات؛ أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز فخامة الديك للفترة الرئاسية “الـ18″، وتهافتت حاشية القصر إلى فخامته لتوقظه من نومه وتهنئة على الفوز…؛ علهم يقطفون ثمار الرضا والبهجة.
وحين استيقظ جحا، نظر إلى الحمار، مدير الحملة، وقال له: “لقد فعلتها يا داهية!”.
ولكن، أجابه الحمار: “لا أستحق الشكر من فخامتكم؛ فلم تأت الحملة بثمارها وأنقذنا مستشاركم الحكيم (بطة) من الخسارة”.
وعندما سأل الديك جحا مستشاره (البطة) كيف قلب الموازين، أجابه: “وزعت أكياس الحب والماء التي تحمل شعارات (جحا رئيسًا للبلد) على طوابير الصوص أمام لجان الاقتراع؛ فمع الصوص يا سيدي لا ينفع مكر ودهاء؛ فالصوص يبقى صوصًا، لا تعنيهم شكليات الصدق والأمانة أو كماليات الحرية والعدالة؛ بل ينحصر جل اهتماماتهم في بطونهم”.
التفت الديك جحا إلى من حوله من مستشارين ووزراء وقال: “ما أجمل أن يجتمع دهاة الدولة في خدمة رئيسهم”.
ثم عاد جحا إلى النوم وطلب من خادمه أن يوقظه قبل الانتخابات المقبلة