علاقة الإعلام الموريتاني بالسلطة بين التبعية والخصومة
لاشك في أن واقع ومستوى الإعلام في أي مجتمع، ما هو إلا انعكاس للسلوكيات والقيم والأنظمة السائدة في هذا المجتمع، فالثقافة السائدة في المؤسسات الصحفية الموريتانية هي نفسها الثقافة المهيمنة في المنظمات والإدارات سواء كانت عمومية أو خصوصية، فالنفاق والمحسوبية والانتهازية والولاء هي سمات غالبة في تسير العمل واختيار القيادات ووضع الاستراتجيات، وهو ما ينتج عنه وصول قيادات لا يربطها بالعمل الإعلامي المهني سوى المكان الوظيفي.
وإذا كان دور الإعلام المنتظر هو النقد والمكاشفة والشفافية ومحاربة الفساد الإداري والاقتصادي، إلا أن كثيرا من أطر الصحافة وقياداتها عندنا لا تعي المسؤولية الأخلاقية والتاريخية الملقاة على عاتقها من أجل إصلاح المجتمع والنهوض به، وهو ما يفسر أن مهنة الصحافة لدينا انحرفت عن دورها وأصبحت وسيلة لتلميع صورة بعض المسئولين وسب آخرين والنيل من أعراضهم أو التخابر عليهم، و تضليل الرأي العام من خلال التغطية المبالغ فيها لبعض الأحداث، وإذا كان هذا هو واقع الإعلام العمومي فإن الإعلام الخصوصي حديث الولادة في البلد لا يختلف إن لم يكن أسوءا عن الإعلام المملوك من طرف الدولة الذي قل جمهوره وفقد جزءا كبيرا من مصداقيته، بسبب غياب الاستقلالية والحياد في التعاطي مع حقيقة الشأن العام.
ورغم أن البعض يعتبر أن العلاقة المثالية بين الحكومة والإعلام الحر هي علاقة خصومة، حيث أنه كلما زاد العداء بين السلطة و وسائل الإعلام زادت إمكانية حصول المجتمعات على المعلومات، وقامت الصحافة بتأدية واجبها في كشف مواطن الاختلال والانحراف والفساد بشكل أكبر، إلا أن مشكلة الإعلام الحر في البلدان النامية هي مصادر التمويل،إذ غالبا ما ترتبط هذه المؤسسات- تحت ضغط الحاجة والاستمرارية- ببعض رموز الفساد.
وهكذا تتحول وسائل الإعلام إلى مصدر لجمع الثروة وميادين صراعات طاحنة لا شرف ولاعقة فيها و يتحول رجال الصحافة إلى مخبرين أو أبواق لبعض الأحزاب أو القطاعات مما يحول دون تطوير صناعة الإعلام ، لذلك لابد من وضع مقاربة جديدة تأسس لعلاقة طريفة بين الإعلام والسلطة بعيدا عن ثنائية الخصومة والتبعية.