"صحراء توك" والمغالطات الكبيرة..
تتصاعد الانتقادات، والإدانات، والشجب، والاستنكار، والاستهجان، والرفض.... الخ ردا على قرار " هابا" بخصوص برنامج " صحراء توك" وللأمانة فأنا شخصيا لم أستمع لأي حلقة من هذا البرنامج المثير للجدل، رغم احترامي لمقدمه الزميل زايد محمد، وتقديري الكبير لصحراء ميديا، التي أعتبرها أهم مؤسسة إعلامية وطنية.
وبما أننا ننادي جميعا بحرية التعبير، اسمحوا لي أن أعبر بحرية عن رأيي، وأرجو أن يحترم الجميع وجهة نظري، مع حقهم في الاختلاف معها، وسأسجل وجهة نظري بخصوص هذه القضية من خلال النقاط التالية.
أولا: تميز التعاطي مع قرار "هابا" بخصوص "صحراء توك" بالانطباعية، والمجاملة، بمعنى أن كثيرا ممن عبروا عن إدانة " هابا" هم مثلي، لا يعرفون عن هذا البرنامج إلا اسمه، فلم يستمعوا له أبدا، حتى يتسنى لهم الاطلاع على مضمونه، ليكون رفضهم لإغلاقه، أو تأييدهم له مبنيا على إدراك، وعلم، ف"الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، فبعضهم عبر في حينه عن رفضه لقرار " هابا" وتعاطف مع زايد، وفي مجالس الخاصة يقول لك: " هو زايد أثرو ذل كال شنهو؟".
ثانيا: وقعت معظم – إلم نقل كل- المؤسسات، والهيئات، وحتى الأفراد الذين شجبوا قرار "هابا" في لبس، وتضليل – عن قصد، أو عن غير قص- فالجميع " يعبر عن إدانته لقرار هابا إغلاق برنامج صحراء توك" والواقع أن " هابا" لم تقرر أصلا إغلاق البرنامج، وإنما "تعليقه" لمدة شهر للتشاور، وتصحيح المسار، واستبدال مصطلح " التعليق" بمصطلح " الإغلاق" يعتبر مغالطة كبيرة، بالنظر للبون الشاسع بين دلالتي المصطلحين، قانونيا.
ثــالثا: إن كل من تعاطى مع قرار " هابا" هذا لم يتطرقوا مطلقا للسؤال لماذا " عـُلق" صحراء توك ؟؟ وإنما ركزوا جميعا على رفض التعليق مبدئيا، وكأننا نـُسلم مـُسبقا بأن برامج، ومضامين وسائل الإعلام هي وحي مـُنزل من السماء، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهذا أمر في غاية الخطورة، لأن الصحافة – مهما بلغت من القداسة- يبقى الخطأ، وحتى الإجرام واردا في حقها، ولا يعني هذا بالضرورة " صحراء توك".
رابــعا: لقد صورت بعض وسائل الإعلام، والشخصيات، والمنابر السياسية " تعليق" برنامج إذاعي تبثه إذاعة محلية على أنه كارثة وطنية، وخطر داهم، وجريمة في حق الوطن والمواطن، وانتكاسة لحرية الصحافة...الخ والغريب أنه قبل أيام قليلة فقط كان هناك عالم، وإمام مسجد في مقاطعة الرياض بانواكشوط الجنوبية معتقل بشكل تعسفي، ولم نشهد مثل هذه " الهبة" للدفاع عنه، بل لم تكلف تلك المنابر نفسها عناء كتابة سطر واحد تنديدا بحبس عالم جليل، تغيب " قسرا" عن منبر جمعته لأسابيع، فهل يعني هذا أننا بتنا نـُقدس حرية الصحافة أكثر من تقديسنا للعلم وأهله؟ وهل بات " تعليق" برنامج إذاعي أهم عندنا من إغلاق مسجد جامع بحبس إمامه؟!!
بعد كل ما تقدم أُلخص وجهة نظري بالقول: إن حرية الصحافة أمر لابد منه، لكن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة،والحرية بالنسبة للصحافة مثل الملح للطعام، إن نقصت الحرية وقعنا في الكبت والتضييق، وهو أمر مرفوض، وإن زادت الحرية عن حدها فسد المشهد كله، كما يفسد الطعام بزيادة الملح، وكما أنني شخصيا أطالب بمنع السلطات الرسمية من التغول على حرية الصحافة، ومصادرتها تحت أي ذريعة، فإنني – بالحماس نفسه- أطالب بإلزام الصحفيين باحترام القوانين المعمول بها، لأن القانون الذي يمنحني حقي – كصحفي – في قول، وكتابة ما أشاء، هو نفسه القانون الذي يحمي للأفراد خصوصياتهم، وحقوقهم، وكرامتهم، وللمجتمع، والوطن حرمته،.. فرجاء دعوا المجاملة.
ملاحظة: لا تنسوا طلبي في البداية باحترام وجهة نظري، وسأحترم لكم حق معارضتها.
سعدبوه ولد الشيخ محمد
