ما الذي قدمته المعارضة سوى الشتائم، والأيمان المغلظة ؟!
في كل بلدان العالم هناك معارضون، وموالون للنظام، ووجود المعارضة يكون في كثير من الأحيان دليلا على الانفتاح، وحرية التعبير، أكثر منه مؤشرا على تردي الأوضاع الاقتصادية، والأمنية، وإذا كانت أنظمة الحكم تختلف اختلافا بينا بين بلد، وآخر، فإن المعارضات هي الأخرى ليست على نمط واحد، وإذا كان هناك نظام دكتاتوري، فإن هناك معارضات فاشية، وحاقدة.. الخ.
مناسبة الكتابة هنا هو ما تعيشه المعارضة في موريتانيا من تشرذم، وتناحر فيما بينها، وتغليب للمصلحة الشخصية، وتعام عن الحقائق، بل وتزويرها أحيانا – للأسف- فمعارضتنا جربت جميع أنواع الاتصال، والانفصال، واستنفدت كل مصلحات هذا الحقل، من الجبهة، إلى المنتدى، إلى التحاف، والتكتل، والتنسيقية، والزعامة ..الخ، وكل ذلك لم يثمر شيئا، لجهة تطوير الخطاب المعارض، وبلورة رؤية معارضة، ومغايرة، تكون بديلا عمليا لطرح النظام، وسياساته، فالمثل الموريتاني يقول " ال امشكر شي ايدير شي افبلو" والنقد من أجل النقد مضيعة للوقت، والجهد، وتكرار مفردات ممجوجة، وترديد أوصاف مـُعادة، يحول الفعل المعارض إلى تحصيل حاصل، وأسطوانة مشروخة باتت مملة للمواطن.
آخر ما تفـتـقـت عنه عبقرية المعارضة عندنا هو كشكول متناقض، يحمل في طياته بذور فنائه، سموه "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" لكنه لم يحمل من اسمه شيئا، فهو لم يكن ديمقراطيا يوما، ولا متحدا، بل ظل هذا "المنتدى" يمارس الدكتاتورية في قراراته، ويهمش بعض فاعليه، وهو ما اعترفت به بعض أقطابه، أما الوحدة، فظل أبعد ما يكون عنها.
ذلك أن المنتدى شكل منذ تأسيسه مشروع "زواج متعة" محكوم عليه بالفشل، وانتهى بطلاق بائن، لا "تمتع" فيه، وأهل "المنتدى" أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، يتنافسون في عداوة النظام ظاهريا، لكن عداوة بعضهم لبعض أكبر، وأكبر، جربوا كل أشكال الاحتجاج، والمسيرات في انواكشوط، فقرروا الحج إلى الشرق، في قوافل من السيارات الفارهة، وكأن قادة المنتدى أرادوا أن يقول لسكان الداخل، ليس الوزراء، أو قادة الحزب الحاكم وحدهم من يمتلكون السيارات الفارهة.
صحيح أنه من واجبنا أن نتساءل ما الذي أنجزته الأنظمة لهذا الشعب، ولكن بنفس الإلحاح ينبغي أن نسأل ما الذي قدمته المعارضة، وما الدور الذي لعبته ؟! الجواب الجاهز عند المعارضين دائما هو أن النظام يمتلك ثروات الشعب، في حين أن المعارضة لا تمتلك شيئا، لكن إذا كان النظام مطالبا بإنجاز الطرق، وتشييد المستشفيات، ومكافحة الفقر، فإن المعارضة مطالبة بتقديم رؤية، تسهم في تطوير الحياة السياسية في البلد، وتحفظ المصالح العليا، وتطبيع الحياة السياسية، وهو ما لم تنجح معارضاتنا فيه، فأحزاب المعارضة أحزاب فردية شخصية – في الغالب- ويركز قادتها على شتم النظام، وتسفيهه في كل شيء، الصالح، والطالح، بدل تقديم رؤية بديلة، تقنع الشعب بانتخابهم ليكونوا في السلطة.
وعليه فإنني أطالب الحكومة الموريتانية بتخصيص ميزانية لإرسال زعماء المعارضة على نفقة الدولة إلى معاهد سويسرا، ومراكز بحوث أمريكا، والمؤسسات الحزبية في ابريطانيا، وفرنسا، ليتلقى زعماء معارضتنا دورات تكوينية مكثفة في كيفية ممارسة المعارضة، وهل تعني المعارضة السليمة الوقوف في وجه النظام في كل شيء، ووضع العصي في دواليب الحـُكم، وعرقلة مشاريعه، والتشويش عليها، ثم القول إنه لم ينجز شيئا ؟؟ ليلاحظوا كذلك كيف أن هناك لحظات في تاريخ الشعوب تتحد فيها المعارضة مع النظام، بغض النظر عن دكتاتوريته، وليسأل زعماء معارضتنا.. لماذا يتغير رؤساء الأحزاب في تلك الدول أكثر من تغير رؤسائها،وقادتها، بينما يبقى رؤساء أحزاب معارضتنا جاثمين على الحزب، وكأنه ملك شخصي ؟؟ وأخيرا.. لتتعلم معارضنا كيف تكون معارضا إيجابيا لوطنك، وشعبك، بدل معارض سلبي، تزرع اليأس، وتوزع الشتائم، وتكرر الأيمان المُغلظة، في حين أن السياسية فن نسبي، لا مجال فيه للقطع، والجزم.
بالمناسبة هذا المقترح يجد وجاهته، بعد أن أكد رئيس منتدى المعارضة السابق ولد بوحبيني أن المعارضة فشلت فشلا ذريعا في تقديم رؤية مفيدة، وظلت فقط تلعن النظام- أو كما قال ولد بوحبيني-، فالمعارضة مفهوم راسخ، ولا غنى عنه في الديمقراطية، وهو مفهوم قديم قدم الحكم السياسي، بل منذ انقسم الناس إلى حكام، ومحكومين، لكن عندما لا تكون المعارضة وسيلة لتكوين الرأي العام، وتطوير النظام السياسي، ومراقبة الحاكم، وانتقاده، وتوجيهه بموضوعية، والسهر على مصالح الشعب العليا، عندما لا تكون كذلك، تفقد قيمتها، ودورها المفترض، وتصبح أجساما تتصارع لمصالحها الضيقة.
سعدبوه ولد الشيخ محمد