هل تخلص الرئيس محمد ولد عبد العزيز من "عقدة مونتسكيو" ؟
أثار خطاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز في النعمه ضجة كبيرة بفعل عنصر المفاجأة أولا، والمحتوى ثانيا، ولعل المفاجأة الكبرى كانت في نية الرئيس إلغاء الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الشيوخ)، و إنشاء مجالس محلية للتنمية الجهوية بدلا لها، و هو ما يتطلب استفتاء شعبيا لتعديل بعض مواد الدستور الموريتاني الذي ينص في المادة 46 أن البرلمان يتشكل من غرفتين هما الجمعية الوطنية، و مجلس الشيوخ، ولكن هل سينقاد العقل السياسي الموريتاني إلى تقبل إلى هذه الصيغة الجديدة؟ و ما الفرق الذي سيحدثه ذلك في سير التجربة الديمقراطية؟
التاريخ يعيد نفسه : مأساة أم ملهاة؟
يعتبر الفيلسوف الألماني كانط في " فلسفة التاريخ " أن الإنسان بدافع من الرغبة غالبا ما يميل إلى تفصيل الواقع على مقاساته محاولا توجيه مقاسات هذا الواقع بما يتلاءم مع هواه"، وهو ما يؤدي أحيانا إلى أننا نكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها أسلافنا، فقد صاحب قيام الدولة الموريتانية صراع قوي حول شكل السلطة، حيث بدت واضحة إرادة تعزيز السلطة المركزية في مسعى المختار ولد داداه من خلال إقامة نظام رئاسي، و الانتقال إلى الحزب الواحد ، حزب الدولة و هو ما أفضى إلى صراع قوي بين رفاق الدرب (المختار و سيد المختار) و مواجهة بين الجهازين التنفيذي و التشريعي، و غير ذلك من الأحداث التي ميزت العشرية الأولى من عمرية الدولة الموريتانية.
و ها هو التاريخ يكرر نفسه بعد 55 عاما من استقلال الدولة الموريتانية بتجدد هذا الصراع في وجه شبيه بذلك الماضي، بين رؤية تهدف لبناء الدولة الحديثة وفق مقاربة جديدة تسعى إلى الإصلاح المؤسساتي للدولة، و تحقيق العدالة الاجتماعية، و أخرى تعتبر أن كلما يصدر عن تلك الرؤية مرفوض لأنه صادر عن أحادية سياسية، و لا يمثل إلا أصحابها و هو ما يمكن أن يدفع بالبلد نحو مزيد من التأزم، و عدم الاستقرار.
حركية دستورية و ذهنية سياسية عاجزة أو لا مبالية
لو عدنا إلى تاريخ الوقائع السياسية الموريتانية بدء بدستور 1959 مرورا بدستور 1961 و انتهاء بدستور 20 يوليو 1991 لكشفنا مستوى معقولا من الحركية السياسية أفرز أشكالا مختلفة من الأنظمة ، فدستور الجمهورية الأولى أفرز نظاما برلمانيا منقوص السيادة، و الثاني وضع نظاما شبه رئاسي كامل السيادة، في حين جاء الثالث ليؤسس لدولة ليبرالية دينها الإسلام.
يعتبر الباحث محمد دده في مقال له بعنوان " مورتانيا... بنية اجتماعية ثابتة و تاريخ متغير" أن الذهنية السياسية الموريتانية ظلت قاصرة عن فهم و تقييم القواعد و المؤسسات التي من المفترض أن يؤسس لها دستور الجمهوريتين الأولى و الثانية، و أن دستور الجمهورية الثالثة جاء شبه منبت عن الواقع ، و بالتالي فاستفتاء الشعب حول هذه الدساتيرو قبوله لها ليس بذي قيمة تفسيرية في ما يتعلق بعلاقة المؤسسات المتمخضة عن هذه الدساتير طوال الفترة الممتدة بين 1961 و 1991 بسبب طغيان الأحادية السياسية ، و إن كان دستور الجمهورية الثالثة جاء نتيجة لسياقات خارجية فرضت على القائمين على الشأن العام وضع نص دستوري تجاوز في بعض مقتضياته نضج العقلية السياسية، و هو ما أفضى إلى قطيعة بين النص و التطبيق، ولكن هل تطورت الذهنية السياسة الموريتانية بشكل المطلوب الذي يفضي إلى مشاركة واسعة تترجم حجم النضج السياسي؟ .
مبدأ فصل السلطات بين المرونة و الجمود
لا يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إلا مقترناً باسم مونتسكيو الذي كان أول من صاغه صياغة متكاملة في كتابه روح القوانين سنة 1748، ولكن المبدأ الذي أرساه مونتسكيو عندما تولاه الساسة والفقهاء بالشرح اختلفت تفسيراتهم.، ففريق منهم يرى أنه فصل مطلق جامد، و فريق آخر يراه مرنا نسبيا، و يقترن الأول بالنظام الرئاسي كالذي لدينا في موريتانيا، وهو ما دفع المشرع الموريتاني إلى تبني النظام الثنائي بدل النظام أحادي الغرفة و هو أمر أكدته حكومة الفترة الانتقالية عندما قررت الاحتفاظ بالصيغة الحالية للمؤسسات الدستورية، قبل أن يقرر الرئيس اليوم تعديله، مبررا ذلك بأن هذا النظام يمثل عبئا على الدولة أكثر من كونه ضرورة، فهل توصل ولد عبد العزيز إلى تجاوز" عقدة مونسكيو" ؟
عالي ولد يعقوب