مع" المسار الحانوتي" / محمد ولد سيدي عبد الله
سمعت عن المسار الحانوتي في حلقاته الماضية وصادفت العديد من الأشخاص الذين أعجبوا بتلك الحلقات وصادفت آخرين اعتبروها محاولات ممنهجة واتعابا موكلة للدكتور "الوزير" ،فكان دوري دور المستمع الجيد غير المعلق استمعت لمديح المجموعة الممجدة المعجبة
بشخص ولد حرمة وسلامة لغته وسباكة أسلوبه المفعم بالمعاني والمضامين المشحون بالعبر والمعاني ، وأصغيت بالمقابل للفئة الناقدة للحلقات في تركيبها وزيفها وخلفيتها ، واكتفيت بذلك الحد فلم أقنع نفسي بضرورة قراءة الحلقتين الأولى والثانية رغم جموحي الطبيعي للقراءة في مواضيع السياسة خصوصا إذا كان الكاتب من طراز خاص ،سياسي ،سليل أسرة سياسة ، ووزير سابق مع رئيس ووزير أول لا يزالان يحتفظان بمنصبيهما ويتناول هذا الوزير نفس الرئيس وأداء حكومته بنقد لاذع مؤصل ومفصل وفي شتى المجالات.
لم أجدا تفسيرا مقنعا لتلك القوة القاهرة التي منعتني من القراءة لشخص بهذه المواصفات ويتناول موضوعا حيا ممتعا وملفتا كهذا ، واعتقدت أن رائحة نتنة تفوح من تلك المقالات كانت تصدني كلما حاولت قراءة تلك الأسطر المعبرة والتي سأعتبرها فيما بعد انفراجا جديدا وقاعدة جديدة في السلوك السياسي الموريتاني.
كما أن سمة المكاشفة التي ظهرت في عنوان السلسلة "نحن والمسار الحانوتي" أفقدتني النكهة التي تشدني إلى النهم في القراءة فالوزير آثر الصراحة عن عنصر يدسه المتفننون في فن الكتابة ويعتبر منهجا رائدا يسمى "عنصر التشويق" يجعل القارئ يبحث عن دلالات عنوان معين بين السطور مما يقوده للتركيز حتى يظفر بالمضمون وبالتالي ينقاد مرغما حتى يقرأ النص بكامله وهو ما غاب عن الدكتور فبدأ مهاجما وانتهى محرضا في مقاله الثالث والأخير الذي قرأته بقد من التأمل.
بدأ الوزير مثبطا للعزائم متحققا من أن الموريتانيين لم يعد أمامهم سوى الإذعان والاستسلام وشرب رمال الديمقراطية ، ناسيا أن تمكنه من نشر ثالث مقالاته يعتبر هدفا ساميا وهو في حد ذاته يملأ البطون فالحرية مكسب قدمت الشعوب نخب أبنائها في سبيل تحقيقه وما زالت شعوب أخرى تطاوي وتقتفي سبيلا إلى تحقيقه ،وصحيح أن بطن بني آدم لا تملؤه إلا التراب والتراب هنا ليست الرمال التي استخدمها الدكتور فالتراب استعارة مكنية عن الموت التي حذفت ورمز إليها بأحد لوازمها وهي التراب"الثرى" فالإنسان سيظل طامحا مهتما آملا حتى آخر لحظة وهذه سنة الكون وأي محاولة لتيئيس الناس تعتبر خروجا عن المنظومة القويمة وتفعيلا لليأس الذي ينبغي أن لا يدعو إليه الخواص مهما كان مستوى التحدي.
ثم شرع الدكتور في تمجيد بعض الأشخاص الذي يستحقون على كل أبناء الأمة من أمثاله الثناء والتقدير ولكن السياق الذي أورد فيه الدكتور ثناءه تفوح منه رائحة التحريض وكسب ود المعجبين بتواريخ وأمجاد "الأمير ولد أحمد عيده "والرئيس الراحل "المختار ولد داداه" و الرئيس السابق" أعلي ولد محمد فال" ولم يكتفي الدكتور بذلك فشرع في مدح بني أبي السباع وذكر مناقبهم وأحسابهم وكأنه يقدم جديدا فتاريخ المجموعة معروف وأي محاولة للتذكير به في إطار المس من أحد أفراد المجموعة يعتبر مدحا مذموما ومكشوفا ويدخل في إطار حشد أكبر كممن الناقمين على ولد عبد العزيز حتى من أبناء عمومته وإدراج اعلي ولد محمد فال يدخل في نفس السياق ، ولم يكتفي الدكتور بهذا الحد بل تناول ما ذكر أن ولد عبد العزيز يقوم به من تعريض بقبائل الآخرين في مجالسه الخاصة وفي تحريضه على ولد عبد العزيز أورد الدكتور مضامين أحاديث تعتبر ولد عبد العزيز يعتبر نفسه آخر رئيس من "البيظان" لحشد دعم " البيظان " وأنه يعتبر أن سنده الوحيد في حماية حكمه هو قبيلته التي بدأ ولد حرمة يعدد مناصب لبعض أفرادها في سلوك غريب أقرب إلى المن والتعجب من نيلها لهذه المناصب وهو من كان قبل ذلك ببضع أسطر يشير إلى مكانتها في تناقض مكشوف.
أعتقد أن عبارات "الدكتور" تعج منها خلفيات تهدد السلم الأهلي وتبعث البعد القبلي في أزهى صوره تشق اللحمة الوطنية، في محاولة من الرجل لتعزيز فتيل جموع الناقمين على شخص ولد عبد العزيز فهو بكل بساطة يريد أن يصف نظام ولد عبد العزيز بأنه يهدد إخوتنا الزنوج ما يجعل سلسلة الدكتور مبتذلة وسخطه جلي.
هي فقرة موغلة في التمالؤ ضد أمة ينتسب إليها "دكتور" بدا متحاملا وبشكل مفرط ضد كينونتها مما يوحي بصدق اتهامات وجهتها جهات أخرى ضد "الوزير" تصفه "بالعميل غير الوطني" وهي أوصاف ما كنت ارغب بالاستئناس ولا الاستشهاد بها ،فقط لأن "الدكتور" رئيس لحزب سياسي موريتاني ووزير سابق في حكومة موريتانية ومن غير الشريف ولا اللائق أن توجه إليه تهم الخيانة العظمى لهذه الأمة ما لم يكن هنالك إجماع وطني على ذلك ، وهو ما يفرض على "الوزير" التحلي بقدر من الوطنية لتفادي تحقيق ذلك الإجماع الذي بدت ملامحه تلوح في الأفق ، ورغم الحديث عن اتهام الرجل بالتخطيط والتحريض ضد السلم الأهلي من خلال سلسلة مقالاته "نحن والمسار الحانوتي" فإن الدكتور نفسه يتهم من يسميهم "بأباطرة النظام" بالتخطيط لحرب أهلية في مفارقة غريبة، متناسيا أنه يمرر إيعازات ضمنية ودعوات صريحة لحرب أهلية .
ويشرع "الدكتور" على الفور في إعطاء أرقام عن تطور الاقتصاد الوطني منذ العام 2005 متمثلة في زيادة سعر الحديد عالميا وزيادة صادرات الذهب وتمويلات المانحين ، مشيرا إلى أن كل هذه العائدات تذهب إلى جيب الرئيس وأقاربه وسط جو من التعتيم والسرية دون أن يتطرق " الدكتور " للإصلاحات الهيكلية التي عرفتها قطاعات المنظومة الدفاعية والأمنية ، البنى التحتية والنقل ، الإسكان والعمران ، التجهيزات والمعدات الطبية المتطورة والتي أقتنيت في فترة "الوزير" نفسه وتحت إشرافه، زيادة رواتب وامتيازات الموظفين ووكلاء الدولة ، برامج التدخل السريع لصالح الفقراء وضحايا الرق.....
وبدأت مفردات الحقد في مقال الرجل ضد من سماهم " كانوا يلتقطون البعرة " ووفق تعبير "الدكتور" تم العمل إلى تحويلهم إلى رجال أعمال أثرياء ، متناسيا مبدأ التطور كناموس طبيعي يحكم الكون بأسره ومتناسيا أنه شخصيا كان قبل بضع سنوات يعمل طبيبا في إحدى عيادات "ليبر فيل" في جمهورية الغابون في فترة رئيسها الأسبق عمر بانغو الذي تربطه علاقات خاصة بالمملكة المغربية ، تم ذلك قبل أن يتحول إلى رئيس حزب سياسي في موريتانيا وقبل أن تقذف به الأقدار والحظوظ وسنة التطور هذه ليصبح وزيرا للصحة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية .
لقد كان حريا بالدكتور أن يقيس بنفس المقياس التي تمت بموجبه مسطرة تطوره وفقا للمذهب "الدر ويني"
وفي مغالطة غريبة حاول "الدكتور" ان يخلق نقطة تماس بين بين نظام ولد عبد العزيز وما أقدم عليه الشاب المرتد الذي نعته الرئيس بأبشع الأوصاف وتعهد بإلحاق أقسى العقوبات به وسط جموع من الموريتانيين بمختلف مشاربهم وثقافاتهم وبدا الرئيس مشحونا بالغضب من ما صدر عن ذلك الشاب الآثم .
هذا المشهد يحوله ولد حرمة إلى مسرحية "هوليودية" بطلها الرئيس ، وكأن ولد عبد العزيز من أذن أو أومأ إلى هذا الشاب بإطلاق العنان لمخيلته المريضة بالإساءة إلى رسول الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال " الدكتور" بالحرف الواحد أنه "من إنتاج عزيز"
كما أطلق الشاب العنان لمخيلته مسيئا إلى خير البرية ، أطلق "الدكتور" العنان لمفرداته ذاما وقادحا ومحرضا ضد أمة وفئة وقبيلة وشخص ، في مسار أقرب إلى "الحاناتي" منه إلى الحانوتي ففي "الحانة" عندما يثمل العقل تتناثر الكلمات البذيئة ويجانب الثمل الصواب وتغيب الحقيقة وفي الحانة يغيب الرشد ويتحكم الظلم .
حقيقة نحن في زمن أصبحت فيه كل المفاهيم مغلوطة ، كيان الدولة مهدد بسبب حرية مقيتة ، قادة الرأي يتآمرون ضد أمة وتفتح لهم صاحبة الجلالة صفحاتها وبكل بساطة .
غاب عن " الدكتور " أن التجريح ليس من شأن العظماء ، بل إنهم لا يسمحون لأي مجرح أن يمس من أي كان في مجالسهم وسواء كان موقفهم من الشخص "المجرح" ، أحرى أن يصدر التجريح منهم وضد شخص نلقبه جميعا "رئيس الجمهورية " لأن في ذلك تحقير بالأمة وبالجمهورية ينبغي ان لا يقدم عليه "وطني" "وزير سابق" و"رئيس حزب سياسي" .
و التحريض على الفتنة سلوك همجي مذموم شرعا وممقوت عرفا، روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " واتهام المسلم من غير بينة حرام قال تعالى "ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد أحتمل بهتانا وإثما مبينا" وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع "أيها الناس اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم"
التقول من غير دليل سلوك ساذج يعاقبه القانون وينفره الذوق حتى وإن كان في حق أشخاص عاديين أحرى إن كان في حق شخص رئيس دولة منتخب أدى اليمين وزاول أعماله كرئيس دولة وقائد أعلى لقواتها المسلحة ورئيسا للمجلس الأعلى للقضاء وحاميا للدستور .
والإساءة على رئيس الجمهورية بغير دليل تعتبر إساءة على أمة بكاملها من حق ولد حرمة أن يعتذر لها أو يقدم الدلائل .
مقالاتك "دكتور" تصعيدية " تحمل في طياتها رسائل ضمنية مكشوفة وكل رسالة أقوى وأشد وأكشف من الأخرى ، يفهم منها أنكم تنتظرون دعوة من هذا الرئيس الذي آذيتموه فإن لم يفعل فالمسار سيتواصل بل التزمتم بذلك ففي نهاية كل مقال تكتبون كلمة " يتواصل " وهو أسلوب الصحافة المأجورة تهدد به وتوعد ، كنت أحسبكم فوق هذه المستويات لكن " قدر الله وما شاء فعل ".
معالي "الوزير" الكتابة مهنة الصحافة والكتاب ، وليست مهنة الساسة ورؤساء الأحزاب ، معالي الوزير أنتم في طيات مقالكم تناولتم مواضيع مهمة وجهتم من خلالها تهما بالفساد ضد شخص رئيس الجمهورية ، ألم يكن حريا بكم كسياسي ورئيس لحزب سياسي أن تتقدموا بها للأمة من خلال مسائلات في البرلمان لأفراد الحكومة المعنيين ؟ أليس ذلك هو الأسلوب المعهود لدى الساسة والأحزاب ؟ وأتذكر جيدا أنكم ترشحتم على رأس اللائحة الانتخابية لحزبكم في دائرة نواكشوط في فترة الرئيس أعلي ولد محمد فال التي أشدتم بها ، ما الذي أعاق دخولكم للبرلمان ؟ وما الذي منعكم من أن تتقدموا في الاستحقاقات المنصرمة للشعب الموريتاني حتى تقدموا آراءكم بالطريقة المعهودة لدى الساسة ؟ هل لاحظتم "دكتور" أن شعبية المواقع أوفر ، أم أن شبكة المعلومات "الانترنت" ستبعث برسائلكم على الفور إلى جهات بعينها ولو كان ذلك على حساب أمة منحتكم لقب وزير.
محمد ولد سيدي عبد الله