المسار الحانوتي، والمسار المغربي أية علاقه؟/ سعدبوه ولد الشيخ محمد
سعدبوه ولد الشيخ محمدأثارت مقالات الدكتور الشيخ ولد حرمه المنتقدة للنظام الموريتاني جدلا واسعا، وأسالت الكثير من الحبر، ورغم أن العديد من الكتاب، وأهل السياسة، والفكر انبروا لولد حرمه مسفهين آراءه، ومدافعين عن النظام، إلا أنني كنت أعتبر كل ذلك ظاهرة صحية، تخدم النظام الموريتاني أكثر مما تضره، وتندرج ضمن حرية الرأي، والتعبير، والانتماء السياسي التي باتت موريتانيا مضرب المثل فيها، بعكس بعض الشعوب التي لازالت تقبل أيدي حكامها، وتركع لهم، وتسبح بحمدهم، صاغرة، مكرهة.
وهذا بالضبط ما جعلني أحجم عن الدخول في "المسار الحانوتي"، دفاعا، أو هجوما، ولكن عندما يدخل الأجانب على الخط، وعندما يحاول البعض إقحام نفسه في تفاصيل اللعبة السياسية الداخلية لموريتانيا، وعندما يتطاول الغرباء على أبناء الجلدة، والوطن يكون السكوت حينها جريمة لا تغتفر، كما نقول في المثل الموريتاني"اسكات افبل اجواب اندامه".
لقد قرأت بتمعن مقال الكاتب المغربي سعيد بن ادريس، الذي حاول من خلاله أن يقدم نفسه خبيرا في الشؤون الموريتانية أحيانا، ووصيا على الموريتانيين حينا آخرا، وبدى لي أنه من الضروري تسجيل الملاحظات التالية، علها تعيد الأمور إلى نصابها:
أولا: لقد بدأ الكاتب المغربي بالطعن في لغة، وأسلوب، ومعاني المقالات التي تنتقد "المسار الحانوتي" وهنا أقول للمغربي... هذا فعلا من علامات الساعة المسكوت عنها، فمتى كان المغاربة يلاحظون على بلاد المليون شاعر في مجال البلاغة، والفصاحة ؟؟، أنا شخصيا درست في العاصمة الثقافية للمغرب ثلاث سنوات، وكنت أستغرب عندما يحاضر أمامنا في الجامعة دكاترة مغاربة، بعضهم لا يكاد يبين، وبالكاد يستطيع إكمال جملة عربية صحيحة مفيدة، بينما كان طلابهم من موريتانيا يقرضون أجمل الأشعار، ويحفظون عن ظهر قلب المعلقات، والدواوين الشعرية، هذا شاهد من الحاضر، أما ماضي الشعبين فيتحدث عن نفسه.
ثانيا: لقد دافع الكاتب المغربي عن ولد حرمه، مبينا وجاهة آرائه في مساره الحانوتي، ومفندا ردود المدافعين عن النظام الموريتاني، والمنتقدين لولد حرمه، وهنا أقول لك أيها المغربي: إن دفاعك عن الدكتور ولد حرمه يؤكد تهمة "العمالة" للمغرب التي يتهمه بها البعض هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن إقحام الكتاب المغاربة في سجال سياسي موريتاني يعبر عن إفلاس في الرأي، والموقف، فهل أفلست بضاعة حانوت ولد حرمه حتى بات يستنجد بالمغاربة لحقنه بجرعات تعيد له ثقته بنفسه، وتؤكد دعم العرش الملكي له في مساره الحانوتي، ومباركة مقالاته؟؟ مجرد أسئلة أراها واردة.
ثم من أعطاك الحق أيها المغربي في الدخول بين الإخوة الموريتانيين، لتزكي هذا، وتجرح هذا، تبرأ من تشاء، وتدين من تريد، وتعطي ميزات الفصاحة لهذا، وتنزعها عن غيره، إنه حقا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق!! أقول لك أيها المغربي إننا في موريتانيا نقول:"أل ادخل بين لخوت يظايكو اعليه" فنحن لم نكتب عن الصراعات، في المغرب، وسياسته الداخلية لأنها ببساطة لا تعنينا، فعليك أن تعلم أن موريتانيا بلغت سن الرشد السياسي، وأصبحت دولة مستقلة بمعنى الكلمة، تعرف مصالحها وتعرف كيف تدافع عنها، وتعرف كذلك أعداءها، وأصدقاءها، ولم يسمح رئيس الجمهورية ولد عبد العزيز لمن هم أكثر أموالا، وأكبر مكانة دوليا لم يسمح لهم بتصدير فكرهم إلينا، أو إعطاء دروس، ومواعظ في السياسة، والديمقراطية.
ثالثا: لقد عدد الكاتب المغربي بعض المشاكل التي يعتبرها تهدد مستقبل موريتانيا، وادعى أن النظام الموريتاني يتجاهلها، وذكر من بينها التفاوت الطبقي، والنزاعات الإثنية في موريتانيا.
وهنا أقول لك أيها المغربي إن التنوع الإثني، والعرقي في موريتانيا كان دائما عامل قوة، وثراء، وسيظل كذلك، أما التفاوت الطبقي فتعمل الحكومة الموريتانية بجهد لتقليصه لمصلحة الفقراء، وحققت في ذلك أشواطا لا ينكرها إلا مكابر، ثم إنه كما يقال "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الآخرين بالحجر" فالمغرب هو الدولة الوحيدة في العالم التي لها مشاكل، ونزاعات مع جميع جيرانها، فمن الشمال تنازعون إسبانيا على "سبته، ومليليه" وتدعون ملكينها، ومن الجنوب لديكم نزاع الصحراء المزمن، وحدودكم مع الجزائر مغلقة منذ سنوات، كما أن الخطر الانفصالي يتهدد معظم الأقاليم المغربية، من طنجه، وتطوان، وحتى لعيون، واسماره، فالأولى بك أيها المغربي أن تركز على المشاكل الداخلية لبلدك- وهي كثيرة- وتترك عنك موريتانيا تنعم في واحتها الديمقراطية، ولا تحاول تنغيصها.
رابعا: لقد تحدث الكاتب المغربي عن رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بسخرية واستخفاف، قائلا إنه تحول من ميكانيكي، إلى جنرال، ثم رئيس موريتانيا، أقول لك أيها المغربي ... نعم، وأضيف لمعلوماتك أنه تحول من رئيس موريتانيا إلى رئيس إفريقيا، وهذا ما يزعج أسيادك، وتحول أيضا من ميكانيكي - كما زعمت- إلى مهندس سلام تعهد إليه القارة الإفريقية في حل مشاكلها المستعصية، كما حدث في أزمتي ليبيا، وساحل العاج، وتأكدت ثقة الأفارقة بموريتانيا بتأسيس شركة طيران مشتركة بين موريتانيا، والنيجر، ومالي، يكون مقرها انواكشوط، وذلك بعد الإنجازات التي حققتها موريتانيا في مجال الطيران المدني، نعم أيها المغربي... تحول أيضا ولد عبد العزيز من جنرال طور جيش بلاده، ووضعه في موقه الهجوم، بعد أن كان في موقف الضحية، وليس فقط المدافع، تحول بعد ذلك إلى رئيس مدني منتخب في الشوط الأول بأغلبية أصوات شعبه، ولم ينته مسار التحول هنا أيها المغربي بل حول ولد عبد العزيز موريتانيا من ساحة لتصفية الحسابات بين المغرب، والجزائر إلى دولة مستقلة تأخذ قرارها وفقا لمصلحتها الوطنية، ولا تحتاج إلى مباركة العرش الملكي، بل ولا تستأذن فرنسا، تلك هي مسيرة التحول أيها الكاتب المغربي.
خامسا: لقد حاول الكاتب المغربي دق إسفين بين النظام الموريتاني، وبعض القبائل الموريتانية، عبر تمجيده لتاريخ، ودور أسرة الدكتور ولد حرمه، وثنائه على دور المختار ولد داداه، وكأنه يعرض بالآخرين، وهنا أقول لك أيها الكاتب المغربي... نعم... لقد كان الرئيس المرحوم ولد داداه أبا حنونا للأمة الموريتانية، ومؤسسا لدولتنا، ولمعلوماتك فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو الذي أطلق اسم المختار ولد داداه على أهم شارع في انواكشوط، فنحن أمة لا نتنكر لأبنائنا.
أما حديثك عن تمجيد أسرة أهل حرمه المحترمة، والإشادة بتاريخها فهذا من باب كلام حق أريد به باطل، صحيح هذه أسرة كريمة محترمة، مثل باقي الأسر الموريتانية، إلا أن تهمة "العمالة" لدولة أجنبية التي يوجهها البعض للدكتور ولد حرمه هي وحدها ما قد يسيء إلى تاريخ تلك الأسرة المحترمة.
سادسا: لقد قال الكاتب المغربي إن الرئيس الموريتاني يتحمل مسؤولية الإساءة للمقدسات بفتحه لباب الحرية لكل من هب ودب – كما قال- رئيسنا ولد عبد العزيز الذي افتتح إذاعة، وقناة فضائية خاصتين بنشر الإسلام والدفاع عنه، رئيسنا الذي قالها صراحة أمام العالم"موريتانيا دولة مسلمة، وليست علمانية ولا تريد أن تكون كذلك" رئيسنا الذي استقبل مواطنيه أمام القصر الرئاسي وقال لهم" الدولة لن تتهاون مع من يسيء إلى ديننا الإسلامي" رئيسنا الذي طرد سفارة إسرائيل من انواكشوط....
كيف تجرؤ أيها الكاتب المغربي على التطاول عليه، والمزايدة في الدين، وأنت في بلد "أمير المؤمنين" تباع الخمور عندكم كما تباع المياه المعدنية، وتعتبر مداخيل الخمور، والسياحة الجنسية من أهم مصادر تمويل ميزانيتكم، وهل تستطيع أن تنكر ذلك؟؟!! إنها حقا مفارقة مضحكة، مبكية.
سابعا: تحدث الكاتب المغربي عن ثراء بعض أقارب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وفقر الموريتانيين، وهنا أرد عليك في شكل أسئلة بسيطة: كم هي ثروة الأسرة المالكة في المغرب؟؟ وهل تستطيع مجرد طرح هذا السؤال في بلدك؟؟ أحرى أن تبحث عن إجابته؟؟ أما نحن في موريتانيا فنقول لرئيسنا من أين لك هذا؟ وننتقده إذا لزم الأمر، ثم ننام آمنين في بيوتنا، وتلك نعمة تحسدوننا عليها في المغرب.
وبخصوص الفقر، والفقراء، أنتم في المغرب تملكون أكبر أحياء صفيح في العالم، وأنا أعرفها بالاسم في الدار البيضاء، والرباط، وسلا، وغيرها، أحياء يعيش فيها أضعاف سكان موريتانيا في ظروف لا تصلح لأن يعيش فيها الدجاج، أما الرئيس محمد ولد عبد العزيز فقد قضى على الأحياء العشوائية في بلاده، وأصبحت جزء من التاريخ.
أما حديثك أيها الكاتب، أو الكاذب المغربي بالأحرى عن الوضع السياسي في موريتانيا، فهو مبلغ السخف، ومنتهى المكابرة، موريتانيا خرجت للتو من انتخابات تشريعية، وبلدية شهدت حضورا كبيرا للمعارضة، وهي مقبلة على انتخابات رئاسية بعد أشهر، أما أنتم في المغرب فانتخاباتكم مجرد لعبة هزلية، لأنه في المغرب لا يمكن انتخاب عميد كليه في الجامعة إلا بعد إذن مسبق من القصر الملكي، أحرى بالبرلمان، والعمد، فرجاء احترم نفسك إذا كنت لا تحترم قراءك.
وأختم بتصحيح ضروري عليك أن تعرفه أيها الكاتب المغربي: نحن لا نسمى "موريطانيا" كما رددت في مقالك، نحن اسمنا: الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولوكره الحاسدون، ومن لا يفرق بين الطاء، والتاء، وبين الدال، والذال، عليه ألا يتهم الشناقطة بعدم الفصاحة.
سعدبوه ولد الشيخ محد
