أي خيار سيتبعه ولد بوعماتو بعد أن فقد البوصلة ؟! (تحليل)
صحيح أن الدستور، والقانون يمنحان لأي مواطن الحق في الإقامة في وطنه، والتنقل في أرجائه، وحق الخروج منه، والدخول إليه متى ما أراد، ولكن عندما يفرض مواطن ما الإقامة الجبرية على نفسه خارج وطنه، ويقرر – بمحض إرادته- أن يعيش منفى اختياريا عن بلده، يكون السؤال واردا، عن سبب ذلك، ومبرراته، وأهدافه، خاصة إذا كان هذا المواطن جمع ثروته الطائلة من خيرات وطنه، ما يجعل "هروبه" منه عقوقا بالمعنى السياسي، والأخلاقي للكلمة.
لا يجادل أحد في أن الملياردير محمد ولد بوعماتو يمتلك من المال ما يمكنه من الإقامة في أي فندق من فئة خمسة نجوم في أي دولة أراد، بل وامتلاك أفخر الشقق في أهم مدن الدنيا، لكن عندما لا تكون هناك أي دعوى قضائية ضد هذا الرجل داخل بلده، وعندما يرفع نظام بلده شعار عدم وجود أي سجين رأي في البلد، وعندما يسمح هذا النظام لمعارضيه بانتقاده، والإساءة إليه، بل والتآمر عليه، ومع ذلك لا يعترض سبيلهم، مع كل ذلك لا يعود هناك مبرر لأحد للعيش في المنفى، إلا إذا كان هناك ما يخفيه عن شعبه، أو كان هناك دور سري يلعبه، ولا يستطيع القيام به من داخل البلد، أو إذا كان قد قرر وضع نفسه، وممتلكاته تحت تصرف جهات خارجية تستخدمه لخدمة أجندتها، حينها تكون الإقامة في الخارج مبررة، بل ومفروضة.
إذا كان ولد بوعماتو يرى أن نظام ولد عبد العزيز دكتاتوري، وظالم، وفاسد – رغم أنه كان من أكبر داعميه- فلماذا لا يبقى في بلده ليقارع الظلم، ويحارب الفساد، ويقاوم الدكتاتورية من الداخل، ولم لا.. ليجرب دخول السجون، فما من مناضل، وما من داعية حقوق إلا ودخل السجن يوما، ومعلوم أن ولد بوعماتو بدأ منذ سنوات تأسيس منظمة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في إفريقيا، هذا إذا سلمنا جدلا بهذه الرواية.
لماذا قرر الملياردير محمد ولد بوعماتو نقل أمواله، -أو بالأحرى أموال الشعب الموريتالني لأن الرجل لم يرثها من أبيه-، واستثماراته من بلده إلى باريس، ومراكش، وغيرها، في الوقت الذي نشهد فيه استثمارات أجنبية، ووطنية تتدفق على موريتانيا.. ما السبب ؟؟!
أسباب الخلافة الحقيقة بين ولد بوعماتو، والرئيس محمد ولد عبد العزيز قد لا تكون معلومة للجميع، لكن ما هو محل إجماع بين الكل أن معظم أسباب غضب الملياردير المـُدلل هو عدم السماح له بالاستئثار بحصة الأسد والفيل من الصفقات العمومية، وعدم السماح له بالتصرف وكأنه فوق القانون، فالرجل – حسب المراقبين- كان يتوقع أن بضع مليارات من الأوقية دفعها لحملة المرشح – حينها- محمد ولد عبد العزيز ستكون كفيلة بتمكينه من تلابيب ثروات الشعب الموريتاني، وإطلاق العنان له لتعويض تلك المليارات التي أنفقها في الحملة أضعافا مضاعفة من مقدرات هذا الشعب، لكن ولد بوعماتو فوجئ، بل صــُدم عندما تأكد من أن ولد عبد العزيز لا يلقي بالا للخدمات الشخصية، ولا يفكر بمنطق جمع الثروة، وحسابات الربح والخسارة، ومصمم على وضع حد للفساد الذي كان مستشريا مهما كلفه ذلك، كانت مفاجأة ولد بوعماتو كبيرة، وهو الذي لم يعتد أن تـُرفض طلباته، أو تــُفرض الضرائب على مؤسساته، فكر الرجل وقدر، فلم يجد خيارا غير "الهروب" إلى الخارج، فالرجل لا يطيق الإقامة في بلد لا يعتبر نفسه فيه الآمر الناهي.
كان بإمكان ولد بوعماتو أن يكون مجرد مغترب، من بين مئات الآلاف من المغتربين الموريتانيين في الخارج، لولا أن الرجل اختار أن يضع يده في يد أطراف معروفة بسعيها للهيمنة، وأشخاص مشهورين بتجارة الأزمات، وتغذية الحروب، والتعاطي مع الإرهابيين، وبارونات المخدرات، ببساطة بدا ولد بوعماتو مستعدا للتعاون مع "الشيطان" ضد نظام بلده، بل وضد بلده في النهاية.
قدرة الملياردير ولد بوعماتو على التخفي، وعدم ظهوره بأي تصريح إعلامي واضح، وكذا علاقاته الواسعة في أوساط غربية، وإفريقية، فضلا عن ثروته الطائلة، كل ذلك مكنه من البقاء بعيدا عن أعين الرقيب، وأبقى خـُططه طي الكتمان – على الأقل بالنسبة لعامة شعبه- إلا أن القدر تدخل لفضح كل تلك الخطط، وكشف شركاء ولد بوعماتو في الداخل، واليوم بات الملياردير الكتوم أمام وضع لا يــُحسد عليه، وخيارات محدودة، فإما أن يتبنى "عملاءه" في الداخل، وينبري للدفاع عنهم، وهو ما سيجعله طرفا مباشرا بالمعنى القانوني المحض، ويـُحرج الدول التي تستضيفه، ومنحته جوازات سفرها، وإما أن يتبرأ من عملائه في الداخل، ويتركهم لمصيرهم، وهو ما سيقفده ما تبقى من أوراق بيده في الداخل.
