موريتانيا.. عندما تعجز المعارضة عن التأثير في الفعل السياسي (تحليل)
تبدو الساحة السياسية الموريتانية هادئة بشكل لافت، رغم تأكيدات أطراف في المعارضة على وجود أزمة سياسية مستفحلة في البلد، إلا أن هذه المعارضة لا يبدو لها تأثير يذكر –كما هو ملاحظ- وتبدو عاجزة عن التأثير في الفعل السياسي، إيجابا، بفعل مقاطعتها للحوار، والاستفتاء، أو سلبا، بفعل ضعف حضورها في الشارع.
وتبدو المعارضة المقاطعة اليوم منكفئة على نفسها، منشغلة بترتيب بيتها الداخلي، وهي تتلمس خطواتها للتحضير لمرحلة الرئاسيات التي باتت ملامحها تلوح في الأفق، وقد استسلمت المعارضة على ما يبدو للأمر الواقع، ورضيت – طائعة، أو مكرهة- لمخرجات الحوار الذي قاطعته، وأهمها الاستفتاء الأخير، حيث لم نشهد حراكا مناهضا لنتائج هذا الاستفتاء، باستثناء بيانات صحفية خجولة من هنا وهناك.
ويبدو حزب تواصل – وهو قاطرة المعارضة اليوم- منشغلا بالتحضير لمؤتمره العام بعد نحو أربعة أشهر، والتريب لمرحلة ما بعد رئيسه الحالي محمد جميل منصور، وسط تجاذبات داخل الحزب، تنذر بانفجاره من الداخل، بفعل الصراع الجهوين والطبقي، والقبلي داخل الحزب – وإن حاولت قيادته الظهور بمظهر المتماسك- ولا يبدو "تواصل" بوارد تصعيد حراكه الاحتجاجي ضد النظام، ربما تفاديا لاستقالات، وانسحابات من صفوف الحزب، وقد تنامت هذه الظاهرة مؤخرا، حيث فقد الحزب شخصيات بارزة، وعصفت به انسحابات قوية من حيث الكم، والكيف.
أما حزب تكتل القوى الديمقراطية فيبدو في حرج ملحوظ بفعل تربع الرئيس أحمد ولد داداه على رئاسته منذ إنشائه، خاصة وأن الحزب ينادي بالتعددية، والتناوب على السلطة، في حين أن هذا الحزب لم يعرف تلك الظاهرة الديمقراطية إلا في بياناته الموجهة للنظام، وسيشكل مؤتمر تواصل عامل إحراج للتكتل، الذي فقد بريقه منذ فترة، كأيقونة للأحزاب المعارضة، بعد أن غيب نفسه عن الفعل السياسي، باتباعه سياسة المقعد الشاغر، ورفض قيادته القبول بمنطق المفاوضات، وقانون السياسية الذي يقول بأخذ شيء، والتنازل عن شيء، فما لا يـُدرك كـُله، لا يترك جـُله، بينما يصر "التكتل" على سياسة كل شيء، أو لا شيء..!.
بقية الأحزاب المعارضة المكونة للمنتدى معروف أنها لا تحظى بحضور يذكر في الشارع، رغم احتلال رؤسائها لواجهة المشهد الإعلامي، والسياسي للمعارضة، وهي أحزاب يرى المراقبون أن وجودها في الصورة مرتبط ببقائها في مربع المعارضة الراديكالية، والصدامية، وممارسة سياسة التأزيم، لأن قبولها بمنطق الانتخاب، ودخول النزال السياسي الميداني سيعـريها، ويكشف حجمها الحقيقي على الأرض.
وفي خضم هذا المشهد المعارض المــُحبط، والمرتبك، تبدو مؤسسة المعارضة الديمقراطية ككيان مريض يصارع من أجل البقاء، وكأنه يريد أن يقول "أنا هنا" فلا دور على الإطلاق لزعامة المعارضة، وحتى الحضور الإعلامي لزعيم المعارضة غاب، بفعل عدم استغلال زعيمها الحالي لمكانته البروتوكولية، وحضور الأنشطة الرسمية، وقد فقدت مؤسسة المعارضة بوصلتها منذ فترة، وتبخرت أوراق اللبعة من بين يديها منذ تسلم حزب تواصل زعامتها، فلم تعد قادرة على التواصل مع مكونات المعارضة المتناقضة في ما بينها، ولا هي – أي مؤسسة المعارضة- قادرة على التواصل مع النظام (الرئاسة، الحكومة، والأغلبية) فباتت مؤسسة المعارضة في واد، والمشهد السياسي في البلد في واد آخر، وبين الفينة والأخرى يظهر زعيمها في استقبال لهذا الشخص أو ذاك، وإصدار بيانات باتت مكررة لا يتغير فيها – في الغالب- إلا تاريخ إصدارها.
وفي تفاصيل المشهد المعارض يسجل حضور لحركات حقوقية، وشابية، ونقابية (إيـرا، محال تغيير الدستور، بعض النقابات) لكن هذه الهيئات – وبعضها غير معترف به قانونيا- أثبتت أنها مجرد "فــُقاعات"، وكيانات انتهازية، تتحين الفرصة للقفز من سفينة المعارضة، وبعض هذه الحركات مـُخترق من قبل النظام، أو هو مستعد للتعاطي معه عند أول طلب، وما تجربة حركة 25 فبراير عنا ببعيد، وكذلك حركة "ماني شاري كازوال"..إلخ.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، والبلدية العام المقبل – وهي استحقاق طبيعي، وليست مقررة من جانب النظام- تبدو المعارضة المقاطعة مترنحة، وهي تقدم رجلا، وتؤخر أخرى، من ناحية تستعد للقادم من انتخابات، وهي التي جربت مرارة الغياب عن قبة البرلمان، والمجالس المحلية، ومن جهة أخرى لا تريد أن تسلم للنظام بنتائج الاستفتاء، ويعنيها أن تظل حالة التشكيك، والرفض قائمة، فأي الاتجاهين ستركز عليه المعارضة..؟ هل سينظرون إلى المستقبل، أم سيظلون مشدودوي الأنظار إلى الخلف، طمعا في إلغاء نتائج استفتاء شارك فيه أكثر من 80% من الناخبين، ولو كان هذا الإلغاء بأثر رجعي..؟؟.
خاص بالوسط.