موريتانيا: ممارسة الفساد في محاربة الفساد !
يـُقال دائما إن العدالة مطلوبة في كل شيء، حتى عندما تمارس الظلم عليك أن تكون عادلا في توزيعه على الضحايا، وتقول أبجديات المنطق إن الشخص يمكنه أن يتخذ موقفا سلبيا جدا من شخص آخر، ويمكنه أن يتخذ موقفا إيجابيا مناقضا للسابق، كل ذلك حسب الزاوية التي ينظر منها، إذا رضي يقول أحسن ما يعلم، وإذا سخط يقول أسوأ ما يعلم، وهو في الحالتين صادق !!..
مناسبة هذا الكلام هو ما يتردد على ألسنة البعض،- وتؤيده بعض المؤشرات- من تحول مفتشية الدولة من جهاز رسمي لمحاربة الفساد المالي، وصيانة المال العام، إلى أداة عقابية مـُرعبة بيد متنفذين في النظام، يــُشهرونها في وجه كل من تسول له نفسه –الأمارة بالسوء- مخالفة توجهاتهم الشخصية، ويستفيد هؤلاء المسؤولون المتنفذون من ثغرة قانونية، تجعل مسألة تفتيش أي مؤسسة رسمية خاضعا لسلطة تقديرية لتلك الجهات المتنفذة، وبالتالي يمكنها أن تفش من تشاء، وتتجاهل من تشاء، ويمكنها أن تنتقم من خصومها السياسيين بقوة القانون، عبر سيف المفتشية.
صحيح أن المثل الشعبي يقول:"ال ما اصرط شي ما واحلو شي"، ولكن ما هو صحيح كذلك هو أنه ما من مؤسسة رسمية مهما كانت ستخضع لتفتيش دقيق وصارم إلا وُجدت عليها بعض الأخطاء المتعمدة، أو غير المقصودة، كما أن تعامل المفتشية مع "ضحاياها" بعد التفتيش يبدو مختلفا حسب التعليمات العليا، فبض المفتشين –بفتح التاء- المختلسين للمال العام يتم إنظارهم إلى ميسرة، حتى يردوا ما أخذوا من المال العام، أو يسقط بالتقادم، في حين يلاحظ أن بعضهم تشدد عليه الظروف، ويتم إجباره على التسديد فورا، أو حتى يــُحال إلى السجن دون منحه فرصة لتدبر أمره، والأخطر من ذلك يتم التشهير به في الإعلام، وتصويره بصورة اللص المتوحش، والجميع يعلم أن هناك من اختلسوا مليارات من المال العام، وبطرق متعددة، ويتم تصويرهم، وتسويقهم بطريقة مغايرة تماما!!.
ليس هناك عاقل، ولا منصف يمكنه أن يدافع عن من يسرقون مال الشعب، ولكن الله تبارك وتعالى يقول:(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)صدق الله العظيم، كما أن استغلال أجهزة الدولة، -مثل المفتشية العامة- في تصفية الحسابات الشخصية هو في حد ذاته فساد مكتمل الأركان، لا يقل جرما عن نهب المال العام، فهذا مال الدولة، وهذه أجهزة الدولة، واستخدام أي منهما في غير محله يعتبرا فسادا.
من صفحة الأستاذ: سعدبوه الشيخ محمد.