مهرجان تكنت: تشويه للثقافة، وتكريس للجهوية المقيتة، ودوس على قيم الدولة الحديثة(تقرير)
مهرجان اترارزه للثقافة والفنون... عنوان براق يجذب المتلقي لأول وهلة، وقد يجعله يخوض معاناة السفر على طريق روصو- انواكشوط، إلى مدينة تكنت، لكن المفاجأة، أن هذا العنوان لا يعكس حقيقة التظاهرة، فلا هي مهرجان، ولا هي ثقافية – بالمعنى الشامل للكلمة-، ولا هو ممثل لولايةاترارزه، بجميع مقاطعاتها، وأطرها، ونخبها الثقافية.
ويبدو أن الطبيعة كانت هي الأخرى على علم بعبثية التظاهرة، وتشويهها لهذه الولاية، فصبت الطبيعة جام غضبها على المنظمين، في شكل رياح عاتية، وقد كان الارتباك واضحا على المنظمين، خاصة مع اكتشافهم حجم مقاطعة الجمهور لمهرجانهم، وهو ما أدى إلى تأخر الافتتاح من الساعة العاشرة صباحا، إلى الواحدة والنصف، والمفاجأة أن وزارة الثقافة قاطعت المهرجان، ولم يحضر عنها أي ممثل، رغم قرب تكند من نواكشوط، بل إن ممثلة وزارة الثقافة بولاية اترارزه قاطعت هي الأخرى، وهو ما جعل المنظمين في حرج شديد، لا يعرفون من سيفتتح المهرجان، قبل أن يكلفوا حاكم المذرذره بالمهمة، لكن السيد الحاكم تجاهل الموضوع، واكتفى بقراءة سطرين مكتوبين، تمنى فيهما التوفيق، وأشاد بالولاية، ثم انصرف.
لتبدأ فقرات الحدث، الذي بدا أشبه بعرس تقليدي، تتحكم فيه أسرة واحدة (أهل الميداح) حتى قال بعض الحاضرين إنه مهرجان أهل الميداح، وليس مهرجان اترارزه، لكن الأخطر هو عندما تحدث أحد أعيان أهل الميداح، فتغنى باترارزه، وتهجم بشكل مبطن على الولايات الأخرى، معتبرا أن ولاية اترارزه هي ولاية الثقافة، والعلم، وهذا ما يثير غضب المناطق الأخرى – حسب زعمه- في "طلعة" نظمها لهذا الغرض، وهو ما شكل دعوة واضحة للجهوية، والعصبية، والطائفية.
والمفارقة الغريبة تمثلت في حضور ممثلي السلطات الرسمية (حاكم المذرذره، ورئيس مركز تكند الإداري، والعــُمد)، وتفرجهم على تظاهرة تكرس للقبلية، والجهوية، وتحيي قيم الماضي، وتمجد ثقافة الإمارة، على حساب الدولة الحديثة، والمساواة، وسيادة القانون، وقد وضع المنظمون طبلا كبيرا تم ضربه كدليل على هذه الثقافة، وبحضور "الأمير"، الذي كان يتقدم على الحاكم، وكأن التاريخ عاد بنا 200 سنة إلى الوراء.
وكان واضحا عزوف مثقفي ولاية اترارزه، وأدبائها، وأطرها، وسياسييها، ورجال أعمالها، عزوفهم عن مهرجان تكند، الذي عمق من الانقسام، والصراع بين أطر الولاية، وأعطى صورة سيئة، مشوهة عن الثقافة، بل وعن الدولة الحديثة.
هذا، وتميز هذا المهرجان بامتناع الصحفيين عن تغطيته- باستثناء موقع تكنت المحلي-، فرغم حضور ممثلين عن الصحافة الخاصة، والرسمية، إلا أن الصحفيين لم يجدوا مادة تستحق النشر، بل لم يجدوا أصلا من يتحدث لهم عن المهرجان.