لبراكنه.. أنصار ولد اجاي يعلنون النصر، ومعسكر ولد مكت يبدأ الهجوم المعاكس (تحليل)
ضمن سلسلة تقاريرنا عن الخارطة السياسية في ولاية لبراكنه، والتي نحاول من خلالها الوقوف على ملامح هذه الخارطة المتقلبة، نتوقف اليوم عند محاولة استقراء موازين القوى بين القطبين الأساسيين في الولاية (قطب الوزير، وقطب الفريق)، ورغم صعوبة إعطاء حكم دقيق بتفوق هذا الطرف أو ذاك، خاصة وأن كل حزب بما لديهم فرحون، وموجات الانضمام، والانسحاب ما تزال مستمرة، رغم ذلك إلا أن أي قراء تحليلية موضوعية تعطي انطباعا مبنيا على مؤشرات واضحة بتقدم فريق الوزير ولد اجاي على جناح الفريق ولد مكت، ويرجع المراقبون هذه النتيجة إلى عدة أسباب وعوامل موضوعية، لعل من أبرزها:
من يدفع أكثر..
ينظر معظم الموريتانيين للمواسم السياسة باعتبارها مواسم لجني الأرباح، واعتاد الناس - خاصة في الداخل- على أن يمنحوا أصواتهم، ويعطوا ولاءهم لمن يدفع أكثر، وبالنظر لهذا المعيار الحاسم نلاحظ أن الوزير ولد اجاي متقدم بعدة أشواط على الفريق ولد مكت، فالعديد من القرى، والتجمعات السكنية بلبراكنه - خاصة مقاطعة مكطع لحجار- أصبحت مزودة بشبكات الماء الشروب، ولديها دكاكين أمل، وحصل مزارعوها ومنموها على السياج، وحفر الآبار،
وكل ذلك على يد الوزير ولد اجاي، أو بتدخل منه لدى القطاعات الحكومية المسؤولة عن تلك الخدمات، حيث يقول ولد اجاي لكل من يطرح عليه هذه المطالب بأنها مطالب مشروعة، ومن حق المواطنين أصلا، وكلما سيقوم به هو تسهيل حصولهم عليها، وذلك بالطبع مقابل شراء ولائهم السياسي، هذا فضلا عن توزيع مبالغ مالية على أشخاص بعينهم في شكل هبات ومساعدات.
أسلوب التعاطي مع الفاعلين السياسيين..
رغم أننا لا نريد أن نقدم دعاية لصالح أي طرف، ولسنا معنيين بالتهجم على أي طرف كذلك، إلا أن شهادات جمعناها من فاعلين سياسييين بولاية لبراكنه، - وهم بالمناسبة من أنصار الطرفين- تؤكد أن الوزير ولد اجاي يتبع سياسة التقرب من الناس، والنزول إليهم، والالتقاء بهم، سواء خلال زياراته للولاية، أو في منزله بانواكشوط، ومكتبه بالوزارة، حيث يعطي الأولوية لأهل مكطع لحجار خاصة، وأهل لبراكنه عامة، ويستمع للجميع، بأسلوب منفتح، ويعمل على تأمين بعض الوظائف للمنحدرين من هذه الولاية، وفي المقابل فإن جناح الفريق ولد مكت يبدو أكثر ضعفا في التواصل مع الناس، خاصة بعد أن فوض الفريق مسؤولية إدارة الشأن السياسي لشقيقه العقيد الحسن ولد مكت، الذي يصفه البعض بأنه عسكري أكثر، يجيد إعطاء التعليمات، وتنفيذها، أكثر مما يجيد فن السياسة، واستمالة الجمهور، هذا فضلا عن كونه - أي العقيد- ليس لديه ما يقدمه لأنصاره، ورغم دماثة خلق الفريق ولد مكت، وسمعته الطيبة على المستوى الوطني، وعلاقاته الواسعة، إلا أن العقيد يوشك أن يفسد ما بناه الفريق -برأي البعض-.
دور اللاعبين الصغار في الترجيح..
لعل العوامل السابقة التي ذكرنا هي التي دفعت بمعظم اللاعبين السياسيين من الحجم المتوسط إلى اختيار ركب الوزير على معسكر الفريق، وآخر هؤلاء وزير التجهيز والنقل محمد عبد الله ولد اوداعه، الذي أدرك أنه إذا استمر في محاولة خلق منافسة للرجلين القويين، وخلق قطب ثالث في الولاية، فإنه - أي ولد اوداعه- سيخسر كثيرا، ولن يكسب أي شيء يذكر، لذلك قرر الالتحاق بحلف الوزير ولد اجاي ضمانا لمصالحه، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على مبدأ "وكفى الله المومنين القتال"، رغم أن الفريق ولد مكت لديه أياد بيضاء علة ولد اوداعه، بل يصفه البعض بأنه صنيعة ولد مكت في الأصل، لكن مبادئ السياسة تعطي الأولوية دائما للمصلحة على حساب الوفاء، وكذلك فعل النائب البرلماني القوي زيني ولد احمد الهادي، رجل "مال" البارز، وآخرون من الصف الثاني، والثالث من أطر الولاية وسياسييها قرروا الالتحاق بركب ولد اجاي، حتى إن نزيف حلف ىل مكت وصل أسوار حصنهم المتين "شكار" في شكل انسحابات منه لصالح خصمه المدني.
وحتى بالنظر للاعتبارات السابقة، فإن المراقبين يحذرون من أي جزم متسرع بفوز حلف ولد اجاي على حساب خصومه، فالجميع يدرك أن ولد اجاي إنما اكتسب مكانته السياسية من مكانته لدى الرئيس ولد عبد العزيز، ومنصبه الوزاري الهام، وإذا فقد هذين العاملين فإن حظوظه في الحفاظ على شعبيته تبدو ضئيلة، وفي المقابل فإن الفريق ولد مكت يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة في المنطقة، ولديه علاقات طيبة مع معظم المجموعات القبلية في الولاية، كما أنه - أي الفريق مكت- لم يخسر المعركة نهائيا بعد، رغم تأخره في بعض جولاتها، وعموما يمكن اختصار الحديث عن القطبين السياسيين الأبرز في لبراكنه بالقول: إن ولد مكت لديه رصيد قديم، ومؤهلات حقيقية، لكنه فشل في استغلالها سياسيا، ليترجمها في شكل تحالفات قوية على الأرض، بينما ولد اجاي لديه موارد مالية، ومكانة طارئة في النظام، لكنه عرف كيف يستغل كل ذلك بشكل جيد، ليقدم نفسه كرجل محبوب من الجمهور، وقريب من الناس وساع في مصالحهم، لكن لا يبدو أن الفريق ولد مكت بصدد الاستسلام ورفع الراية البيضاء، وقرر الإلقاء بثقله في الساحة السياسية، لتبقى الأيام، والأسابيع القليلة المقبلة حبلى بالتطورات، والانسحابات، والانضمامات، قبل أن ترسو سفينة الغلبة على شاطئ ولد اجاي، أو بر ولد مكت.
يتواصل...