موريتانيا.. لهذه الأسباب سيظل الجيش حاضرا في المشهد السياسي (تحليل)
منذ تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة سنة 1960، وتأسيس الجيش الوطني بالتزامن مع ذلك تقريبا، ظل حضور الجيش في المشهد السياسي طاغيا، وتراوح هذا الحضور بين العلني والرسمي، والخفي المسكوت عنه، فبعد الإطاحة بأول رئيس موريتاني المرحوم المختار ولد داداه سنة 1978 في انقلاب للجيش فرضت المؤسسة العسكرية نفسها على المشهد السياسي، وأدارت البلد بشكل مباشر، حتى مطلع التسعينات عندما اضطر نظام ولد الطايع لمسايرة المد الديمقراطي في إفريقيا والعالم بمسلسل انتخابي مدني يصفه البعض بالشكلي،كان من نتائجه أن توارى الجيش عن الواجهة السياسية، وبدأت حياة سياسية مدنية بترخيص الأحزاب السياسية، وفتح مجال التعددية.
لكن أغشت سنة 2005 كان تاريخا فاصلا، دخلت معه البلاد مرحلة جديدة من مسارها السياسي، عنوانه عودة الجيش بقوة للحكم بانقلاب أطاح بالرئيس ولد الطايع بعد أكثر من عقدين من الحكم، ليعيش الموريتانيون بعد نحو سنتين من هذا التاريخ مشهدا يعتبر الأبرز في المسار السياسي للبلد، عندما تنحى الرئيس العسكري المرحوم اعل ولد محمد فال وسلم السلطة لرئيس مدني منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي لم يستتب له الحكم كثيرا، قبل أن يجد نفسه معتقلا، ورهن الحبس بقصر المؤتمرات بعد أن أخرج عنوة من قصر الرئاسة ذات صباح مشهود على يد قائد الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز، لتعود البلاد من جديد لحكم الجيش مباشرة، لكن قائد الانقلاب خلع بزته العسكرية، وترشح سنة 2009 وفاز بمنصب رئيس الجمهورية، الذي لا يزال يتربع عليه إلى اليوم.
والحقيقة التي لا ينكرها في موريتانيا إلا مكابر هي أن جميع رؤساء موريتانيا - بدون استثناء- وصلوا السلطة بانقلاب عسكري، أو مارسوها بدعم من الجيش، وأطاح بهم في النهاية، ومن ينادون اليوم بإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية في موريتانيا إنما يغالطون الرأي العام، فموريتانيا لا تتوفر على طبقة سياسية مدنية قادرة على تحمل مسؤولية إدارة البلد بمعزل عن دعم الجيش، ثم إن معظم من يمارسون السياسة من المدنيين مرتبطون بالجيش بطريقة أو بأخرى، يستوي في ذلك الأغلبية، والمعارضة، هذا فضلا عن أن بعض الجنرالات يتمتع بدعم شعبي لا يتوفر لدى أي رئيس حزب سياسي، كما أن معظم الوزراء، وكبار المسؤولين في الدولة معينون من طرف هذا الجنرال أو ذاك، أو يدينون بالولاء لهذا القائد العسكري أو ذاك، لذلك فإن حضور الجيش في السياسة سيظل موجودا على الأقل في المدى القريب والمتوسط.
لقد شكلت تصريحات رئيس الحزب الحاكم الأستاذ سيدي محمد ولد محم أمس حول هذا الموضوع قمة الواقعية السياسية، فولد محم أكد على مدنية الدولة، وعلى الطابع الديمقراطي لموريتانيا اليوم، لكن الرجل أكد على ضرورة احترام الجيش، وعدم احتقاره أو تهميشه، بل ذهب أكثر من ذلك عندما اعتبر أن بعض ضباط الجيش قد يتقلدون وظائف مدنية ما لم يكن هناك نص قانوني يمنع ذلك، وتأتي تصريحات ولد محم هذه على وقع هجوم تشنه بعض الأطراف في الحكومة على قادة في الجيش يرون أنهم ضيقوا عليهم الخناق سياسيا، ونافسوهم في ميادين السياسة، ويبقى من السذاجة، بل ومن الخطأ سياسيا مهاجمة الجيش من قبل أي سياسي، لأن ذلك ببساطة لن يجعله يحظى بدعم شعبي، ولن يؤدي في النهاية إلى إبعاد المؤسسة العسكرية عن التأثير سياسيا.
خاص (الوسط).