الصحافة الموريتانية.. هل تأكل الحرية أبناءها؟
منذ أن صادقت موريتانيا على ما يسمى بقانون " منع الحبس في قضايا النشر" منذ ذلك الحين وكل من يدعي أنه صحفي يجول، ويصول في سرائر الناس، وفضائحهم، وإخفاقاتهم، وحتى أعراضهم، ومن ينزعج من ذلك، أو يحاول الدفاع عن سمعته، وصورته يشهر في وجهه سلاح "حرية الصحافة" فيضطر للصبر، وكما نقول بالحسانية " إيحك ذاك افجلو".
قبل سن قانون منع الحبس في قضايا النشر رأينا صحفيين أمام القضاء، وحتى وراء القضبان، بعد شكاوي من رجال أعمال، أو سياسيين، ولكن ما لم يكن يتوقعه أحد هو ما نعيشه اليوم، حيث نشاهد صحفيين أمام القضاء بشكاوي من زملاء لهم في المهنة.
صحيح أنه لا أحد فوق القانون، وما من مهنة في العالم تمنح صاحبها حصانة مطلقة ليقول مايشاء، ويتهم من يريد بدون دليل، من هنا فإنه لا ينبغي أن لا نحمل كل المسؤولية لمن اشتكوا للقضاء لرد الاعتبار لهم، بل يجب أن يتحمل من أطلق هذه الشرارة أصلا الجزء الأكبر من المسؤولية عن تبعاتها، لأن من أشعل النيران يطفيها.
لقد طالب عدد من الصحفيين ممن وردت أسماؤهم في تلك القائمة السوداء طالبوا من سربها بنشر ما قال إنها قائمة أصلية، لكنه لم يفعل، ما فتح الباب أمام اللجوء للقضاء، لأننا في مجتمع تصبح فيه "الشائعة" حقيقة مالم يتم دحضها، لتلحق أثرا سلبيا بالغا على صورة، وسمعة من تعرض لها.
لقد انشغل الجميع بالسؤال الجوهري: هل هذه القائمة حقيقية أم لا؟؟ وما دامت الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال صعبة جدا، صعوبة تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في علاقة الصحفيين بالدولة، وأجهزتها، فتلك علاقة شائكة، لها جوانبها المعلنة، وغير المعلنة.
في انتظار حسم هذا الجدل ينبغي أولا أن يحافظ الجميع على الجسم الصحفي سليما، متماسكا، حتى لا تدب فيه الخلافات، والانشقاقات، والصراعات، كما هو الحال في الجسم السياسي، لذلك لا يجب الاصطفاف إلى هذا الطرف، أو ذاك، في هذه المعركة الداخلية، التي تشبه ما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكل له من الحقيقة فيما يدعي نصيب، وينبغي أن نطهر ألسنتنا، وأقلامنا من هذا الصراع، ونوحد جهودنا لمحاولة نزع فتيله بالتي هي أحسن، ومنع تكراره مستقبلا.