موريتانيا تتجاوز أزمة "الحمى" (تقرير)
على مدى أسبوع أو أكثر استحوذت أخبار الحمى على صفحات المواقع، ونشرات الأخبار، ومواقع التواصل الاجتماعي، وصفها البعض بالنزيفية، وسماها آخرون حمى الوادي المتصدع، وقال آخرون ربما هي كريمي كونكو.. وتميز تعاطي الحكومة، والصحافة مع هذه الأزمة بالملاحظات التالية:
التغطية الصحفية
ركزت معظم وسائل الإعلام في أخبارها، وتحليلاتها عن هذه الحمى على نقل أخبار الوفيات، وأسماء أصحابها، والتهويل من الأمر، وإعطاء الانطباع بأن وباء خطيرا، وكارثة وطنية قد ضربت البلاد والعباد، وبدل أن تقدم وسائل الإعلام للمواطنين معلومات مبسطة عن هذه الحمى، وكيفية الوقاية منها، وعلاجها، لتشكيل وعي صحي وطني، بدل ذلك اكتفت معظم وسائل الإعلام بالتسابق في نشر الفزع، والرعب، واستقدام الوباء قبل أن يأتي، علما أن مططلح " وباء" هو مصطلح طبي، تطلقه الجهات الصحية، بناء على توفر معايير محددة معروفة على المستوى الدولي.
وبدل إطلاق حملات على التواصل الاجتماعي حول هذا المرض، أطلق البعض هذه الحملات تحت عناوين من قبيل " موريتانيا تنزف" أو بلد ينزف، وكأن الهدف لدى البعض هو تصوير عجز الحكومة في هذا الملف، قبل أ، يكون حماية المواطنين من هذا المرض، وتشويه صورة البد خارجيا، كدولة " موبوءة" وما يترتب على ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة، في حين تجاوز بعض الصحفيين ذلك، ليقدم نفسه كمستشار، يقترح على الحكومة الموريتانية جملة إجراءات من بينها إغلاق الحدود، وطرد الأجانب، ومنع دخول الوافدين، في تجاوز غريب لكل منطق سليم.
بالنسبة لتعاطي الحكومة مع هذه الحمى، ينبغي أن نتوقف أولا عند بعض الملاحظات بخصوص هذا التعاطي، أولها ينبغي أن يفهم الجميع أنه حتى في أمريكا، واسويسرا هناك من ينتقد النظام الصحي، ويطالب بتحسينه، ويتهم تلك الحكومات بالتقصير، فاتهام الحكومة الموريتانية من قبل البعض بالتقصير أمر مفهوم، بل وربما مطلوب، من أجل زيادة الضغط على الحكومة، وجعلها أمام مسؤولياتها.
لكن في الوقت نفسه أي مراقب منصف سيلاحظ أن الحكومة الموريتانية، وتحديدا وزارة الصحة، لم تقصر أبدا في التعاطي مع هذه الحمى، فجميع الحالات المشتبه بها كانت تحت المراقبة الصحية الدقيقة منذ اللحظات الأولى، وتم الاستنفار الصحي على المستوى الوطني، وتكفلت الحكومة بعلاج المرضى مجانا، بعد عزلهم في أجنحة خاصة، والأهم من كل ذلك لم تتكتم الحكومة على الوضع، بل قدمت وزارة الصحة كل المعطيات المتوفرة، واستعانت الحكومة بخبرات، وتجربة منظمة الصحة العالمية، التي أكدت أن الوضع الصحي في موريتانيا طبيعي، ولا يدعو للقلق، وأكد وزير الصحة أحمدو ولد جلفون أنه لو وجد وضع صحي خطير فإن الحكومة هي أول من سيعلن ذلك للمواطنين،علما أن الوزير الأول يحي ولد حدمين زار المرضى، وعاين حالاتهم، وتحدث معهم، طبعا لا يمكن أن تتبجح الحكومة بتأدية واجبها في الحفاظ على صحة المواطنين، فذلك واجبها، ولا شكر على واجب.
بعد أسبوع من الشد، والجذب، والإثارة، والفزع، والانتقادات، انحسرت أزمة الحمى في موريتانيا، واختفت أخبارها – تقريبا- من أجندة وسائل الإعلام، وتبين الجميع أن موريتانيا ليست بلدا ينزف، وعلى الجميع أن يدرك أن الحمى ليست مؤامرة تقوم بها الحكومة، لكن التصدي لها، وتطويقها، وتقليل أضرارها هو مسؤولية الحكومة، ومعها الصحافة، والسياسيون، والمجتمع ككل، فصحة المواطن يجب أن تبقى فوق المساجلات السياسية، والاعتبارات الصحفية.