مهرجان ولاته.. الثقافة أبرز الغائبين
تعني الثقافة بمفهومها العام: كل المعتقدات الدينية، وما أنتجته الأمة من موروث في مجالات التراث، والعادات الاجتماعية، والأدب، والفن، والعمارة... الخ، والثقافة هي دائما ذات بعد تراكمي طويل، بمعنى أنها نتاج الأسلاف، والحاضرين، وكل تنوع فيها هو مصدر ثراء. والثقافة دائما عامل إجماع، ووحدة، وسلام، وهي ثوابت، بعكس السياسة التي تفرق أكثر مما تجمع، وتتغير حسب المصلحة الظرفية، ويعد الاهتمام بالثقافة، ورعايتها، وصيانتها هدفا نبيلا، تسعى لتحقيقه الدول، والمنظمات، ومن هنا تفاءل الكثيرون بفكرة تنظيم مهرجان المدن القديمة، باعتباره بادرة تعيد الألق لهذه الحواضر التي توشك أن تندثر.
لكن النسخ الثلاثة من المهرجان، التي نظمت في مدن: شنقيط، وادان، تيشيت كشفت أن هذف هذه التظاهرة ليس ثقافيا محضا، بل تتسلل السياسة إلى الثقافة لتهيمن عليها في النهاية، سواء بقصد المنظمين، أو بغير قصدهم. مهرجان ولاته الحالي تحول من تظاهرة ثقافية شاملة، إلى حلبة للرقص، وترديد نصوص رديئة – في الغالب- تتحد في الغرض وهو دعم النظام الموريتاني الحالي، وهو هدف يبرر كل وسيلة، وتنتهك في سبيله قواعد اللغة، والثقافة "للضرورة المديحية" والمفارقة أنني كنت حاضرا في السهرة الأولى في ولاته، وتأكدت من أن رئيس الجمهورية أعطى أوامره بمنع أي مشاركة تمجده، أو تشيد بإنجازاته، ومع ذلك جاءت كل النصوص تقريبا مديحا للرئيس ونظامه. وإذا ما تجاوزنا هذه السمة البارزة في مهرجان ولاته نلاحظ أن المهرجان يكاد ينحصر في الرقص، حيث تتوالي الرقصات، وكأن الثانية نسخة طبق الأصل مع سابقاتها، في مشهد ممل، تطبعه الرتابة، وتغيب عنه روح الإبداع، والمتعة، والرسالة البليغة للثقافة - على الأقل هذا ما تبثه التلفزة الموريتانية مباشرة-. كما طفت إلى السطح خلال مهرجان ولاته مشكلة أخرى تمثلت في الزبونية، وغياب المعايير الواضحة لانتقاء المتدخلين، وهو ما أثار غضب شعراء قدموا من مقاطعات الحوض الشرقي، وتم إقصاؤهم من المشاركة في السهرة الأولى، رغم تنظيم المهرجان في ولايتهم، بينما سمح لشاعر قادم من اترارزه بإلقاء نص طويل ممل، دام نحو 20 دقيقة. كما طبعت مقتضيات البروتوكول السهرة الأولى للمهرجان، حيث فرض ظهور شخص زنجي، ليس لديه ما يقوله للجمهور، ولا المشاهدين، لذلك ظل يترنح على المنصة، ويردد عبارات الدعم لرئيس الجمهورية بلسان عربي غير مبين، ثم انصرف، لأن هدف ظهوره هو إبراز شخص من هذه الشريحة في التلفزة، بغض النظر عن مشاركته، فغابت الثقافة هنا، وحضرت السياسة. وكانت قمة الارتجال عندما ضاقت لغة الضاد بما رحبت على البعض فلجأ لما سماه لغة الهند ليعبر لرئيس الجمهورية عن الدعم، والإشادة بإنجازاته، فأي مغزى ثقافي من هذه المشاركة ؟؟!! التي تكشف عن غياب أي مسطرة مبرمجة للمشاركات، رغم أن المهرجان يتم الإعداد له على مدى عام كامل، وفي بلاد المليون شاعر. هو إذا تظاهرة سياحية، أو موسم سياسي، أو لنقل مناسبة لهدر الأموال.... أو أي شيء آخر سوى مهرجان ثقافي. سعدبوه ولد الشيخ محمد