المنتدى: مؤتمر ولد محمد لغظف قضى على آخر فرصة للحوار
السياسة كما هو معلوم "لعبة" أو بالأحرى هي حرب، لها قواعدها، وفي الحرب هناك أهداف معلنة، وأخرى سرية، كل موقف في السياسة له ثمن، كما له تبعات، وتداعيات، مخطئ من يظن أن في السياسة مجالا للعاطفة، أو المجاملات، إنها المصالح، والمصالح فقط.
إن من يصورون النائب البارز، ورجل الأعمال سيدي محمد ولد سييدي كما لو كان "دمية" في يد النظام، زرعه في حزب تواصل، وأراد اليوم سحبه، إن هؤلاء مخطئون، ومضللون – عن قصد، أو عن غير قصد- فولد سييدي ليس من تلك الطينة، إنه سياسي محنك، ورجل أعمال ناجح، ينحدر من وسط اجتماعي مرموق، ويمتلك كل المقومات، والأسباب ليكون سيد موقفه، فهو لا يسعى لمنصب في الدولة يجعله يتقرب من النظام، وليس بحاجة لأموال، ونفوذ تواصل.
صحيح أن استقالة الرجل من الحزب المعارض إنجاز كبير للنظام، وضربة موجعة لتواصل، ولا شك أن وراء هذا الإنجاز جهودا مضنية بذلها البعض، ومفاوضات ناجحة دارت خلف الكواليس، حتى تم إنضاج صفقة الانسحاب على نار هادئة، وإذا كان انسحاب ولد سييدي فاجأ البعض من أقطاب النظام، فإنه لم يفاجئ رئيس الجمهورية، ووزريه الأول، فهما كانا على علم بسير العلاقة مع هذا الزعيم السياسي البارز، كان يلتقي بهما باستمرار، وتدور أحاديث ودية بينهم، والجميع يتذكر كيف استقبل ولد سييدي رئيس الجمهورية، والوزير الأول خلال زيارته قبل سنة بالضبط لمدينة الطينطان في إجازته السنوية.
إن ربط انسحاب ولد سييدي من حزب تواصل بموقف الحزب، أو المنتدى من الحوار هو ذر للرماد في العيون، ورمي للفشل على شماعة وهمية، فقادة المنتدى في مؤتمرهم الصحفي الأخير بمقر تواصل لم يتحدثوا مطلقا عن انسحاب ولد سييدي، في حين أجمعوا على أن المؤتمر الصحفي غير الموفق لولد محمد لغظف كان القشة التي قسمت ظهر البعير، فالحوار كان قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق، والمنتدى كان في مشاورات "سرية" مع النظام، ومتقدمة، قبل أن يطل ولد محمد لغظف من قصر المؤتمرات بخرجة إعلامية فصلها على مقاسه، وكشف فيها السر الذي لا يريد المنتدى الإفصاح عنه في هذا الوقت، فكانت ردة فعل المنتدى سريعة، وصريحة، وعبر عنها في المؤتمر الصحفي، وهي العودة لمربع التأزيم، ورفض الحوار، احتجاجا على إفشاء ولد محمد لغظف لتفاصيل اللقاءات غير الرسمية مع النظام، وزعمه أن الاتفاق حصل على كل القضايا باستثناء نقطة واحدة، والواقع أنه لم يتم الاتفاق على أي نقطة.
إن الخرجة الإعلامية لولد محمد لغظف أغضبت المنتدى أكثر مما أرضته، وأضرت بجهود الحوار أكثر مما خدمتها، وجعلت المنتدى في حرج بالغ، فهو يسوق لأنصاره رفض التفاوض مع النظام علنا، لكنه في السر يجري لقاءات معه يريدها أن تبقى طي الكتمان.
إن عقد مؤتمر صحفي للحديث عن الحوار في هذا الوقت هو في حد ذاته خطأ استراتيجي، فمعلوم أن المفاوضات السياسية يتم إبعاد الصحفيين عنها في بدايتها، وتدور خلف الكواليس بعيدا عن ضغط الإعلام، حتى تنضج المواقف، ويتم التوصل لاتفاق نهائي يرضي الجميع حينها يأتي وقت المؤتمر الصحفي للحديث عن الاتفاق، وبنوده، وتداعياته، إن هذه الخرجة الإعلامية الخاطئة أوضحت أن رئيس الجمهورية بحاجة لإعادة النظر في فريقه المحاور، وتعيين أشخاص يتقنون فن الحوار، والإقناع، يجيدون المناورة، والمراوغة، ويلعبون السياسة بمكر ودهاء، فالابتسامة العريضة وحدها لا تكفي لتحقيق الإنجاز السياسي.