بعد تأكيد "تمردهم" هل سيسمح النظام للشيوخ بعرقلة قطار الاستفتاء ؟
ما الذي يريده أعضاء مجلس الشيوخ المحترمون..؟ سؤال يطرحه الجميع هذه الأيام، فهذا المجلس الموقر يتبع سياسة المواربة، حتى لا نقول النفاق، ويفضل نهج الغموض كي لا نستعمل مصطلح الخيانة، ومعلوم أن السياسة لا "تقية" فيها، فإما أن تكون معاعرضا – وهذا حقك الطبيعي- أو تكون مواليا للنظام، وذاك خيار مكفول كذلك، أو تكون مستقلا، وهذا متعذر، وغير مـُستساغ بالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ.
منذ أعلن رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في خطابه الشهير في النعمة قبل نحو سنة تقريبا من الآن بدا واضحا حجم الصدمة، والارتباك الذي أصاب السادة الشيوخ، وبعضهم كان حاضرا في الساحة لحظة كلام الرئيس عن مقترح إلغاء المجلس، وغادر الساحة يكاد يـُغمى عليه من الفزع، رغم أن مقترح إلغاء مجلس الشيوخ كان مطلبا لدى الكثيرين قبل أن يطرحه الرئيس ولد عبد العزيز، ولم يمتلك "شيوخنا" القدرة، - حتى لا نقول الشجاعة- ليجاهروا بما في قلوبهم من رفض لخطاب الرئيس، وأسرها البعض في نفسه، ولم يبدها لهم، إلى أن جاءت أزمة الشيوخ مع الحكومة، والحزب الحاكم، ولأول مرة في العالم نسمع عن أزمة بين منتخبين، ورئيسهم، وحكومتهم التي يفترض أنهم يدعمونها، وحزبهم الذي يفترض أنهم ينتمون إليه.
وبلغت "مسرحية" شيوخ ذروتها، وقمة التشويق، والإثارة بتصويتهم ضد التعديلات الدستورية، رغم التزامهم لرئيس الجمهورية شخصيا بالتصويت لصالحها، ليدخل الشيوخ من جديد في صمت مـُطبق، قبل أن يعودوا اليوم ببيان يثير من الأسئلة، أكثر مما يقدم من أجوبة، ويزيد الغامض غموضا بخصوص مواقف الشيوخ.
رد رئيس الجمهورية ولد عبد العزيز بخطاب "مهادن" رغم فداحة الضرر السياسي الذي أحدثه له تصويت الشيوخ ب"لا" وترك الباب مواربا أمامهم للعودة لبيت الأغلبية إن هم أرادوا، لكن يبدو واضحا أن تصويت شيوخ الأغلبية بالرفض لم يكن مناورة، بل كان خيارا استيراتيجيا، فالشيوخ قرروا بالفعل مقاومة تنفيذ حكم "الإعدام" الذي قد يصدره الشعب على غرفتهم، فصمموا على إسقاط خيار المؤتمر البرلماني، وعرقلة الاستفتاء، والتشكيك في شرعيته،وللمفارقة فإن شيوخ الأغلبية هم من يتزعمون هذا المخطط.
إن دعوة الشيوخ لفتح حوار سياسي جديد تؤكد أنهم باتوا في واد، ورئيس الجمهورية في واد آخر، حيث أكد الأخير أنه لن يتم فتح حوار جديد على الإطلاق، والمفارقة الغريبة هي قبول الأغلبية لهذا الواقع، فإذا كان الترحال السياسي قد تم تجريمه ومنعه، فإن التمرد السياسي أكثر خطرا بكثير، فكيف يسمح النظام لأشخاص يرفعون شعار الأغلبية الداعمة له بأن يواصلوا هدم مشروعه السياسي، وعرقلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ؟؟!.