عرفات: أسباب هزيمة النظام المـُذلة، ونصر المعارضة المـُؤزر (معلومات تنشر لأول مرة)
هزيمة، مـُذلة، فضيحة سياسية، زلزال سياسي، إخفاق كبير، خسارة غير متوقعة.. تعددت الأسماء، والأوصاف للتعبير عن خسارة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لبلدية عرفات في ثالث معركة انتخابية خلال أسابيع، وبعد انقشاع غبار المعركة، وإعلان لجنة الانتخابات النتائج النهائية لبلديتي الميناء، وعرفات، اتضح أن تحالف المعارضة بزعامة حزب تواصل فاز بالبلديتين بلغة الأرقام، وبفارق 490 صوتا، هذا لو احتسبنا نتائج المعارضة، والحزب الحاكم في البلديتين باعتبارهما دائرة واحدة، وباحتساب كل بلدية على حده، حسم تواصل بدعم المعارضة بلدية عرفات بفارق 685 صوتا، والحزب الحاكم الميناء بفارق 185 صوتا..، نتيجة لم يكن أكثر المتفائلين من المعارضة يتوقعها، ولا أكثر الموالين للنظام تشاؤما ليتنبأ بها، قبل أن تصبح واقعا رسميا.
منذ أعلنت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا إعادة الانتخابات في عرفات، والميناء، تباينت ردود الفعل على هذا الحكم القضائي الذي لا يقبل الطعن ولا الاستئناف، حيث قابلته المعارضة بنوع من الرفض، والتشكيك، وصل حد التفكير في مقاطعة الانتخابات المعادة بحكم قضائي، وترك النظام يستولي على عرفات، والميناء بأقل جهد، لكن المعارضة في النهاية حسمت أمرها، وقررت خوض معركة ترى أنها فـُرضت عليها، وعلى الفور أعد حزب تواصل خطة مـُحكمة، ودقيقة، لكسب المعركة، وتوجيه صفعة للنظام لن ينساها قريبا، واعتدمت خطة تواصل،- بدعم من المعارضة- على المحاور التالية:
أولا: التركيز على العمل الميداني الحقيقي، والابتعاد عن البهرجة السياسية، والضجيج، والأنشطة الجماهيرية العلنية..
ثانيا: قام مناضلو حزب تواصل بالتدقيق في اللائحة الانتخابية لعرفات بشكل دقيق، شخصا شخصا، وقسموها إلى عدة فئات.. الفئة التي لم تصوت في الشوط الثاني منتصف سبتمبر أصلا، والفئة التي صوتت للحزب الحاكم، وكذلك تم تقسيم مراكز الاقتراع إلى عدة فئات، فئة المراكز التي لم يسجل فيها تواصل حضورا قويا في الشوط الثاني الماضي، وفئة المراكز التي سجل فيها النظام المئات، وربما الآلاف من الوافدين من خارج عرفات، والموظفين، خاصة من الجمارك، وبعض القطاعات الحكومية.
وبعد تحديد هذه الخطوات بدقة متناهية من قبل حزب تواصل، قام الحزب بتشكيل خلايا متعددة، تقوم بالاتصال عبر الهاتف بكل شخص موجود على اللائحة الانتخابية في عرفات من غير المعروفين لدى تواصل بولائهم للحزب، ويتم الحصول على رقم الشخص بعدة طرق، منها التواصل مع شخص يعرفه، أو البحث عنه عبر علاقاته المهنية، أو زملائه.. المهم لم يبق أي مواطن مسجل في عرفات إلا وتلقى اتصالا من حزب تواصل، أو رسالة عبر واتساب، أو فيسبوك، أو تم طرق منزله مباشرة لدعوته للتصويت لحزب تواصل، وإذا كانت هناك أسرة يوجد عدة أشخاص من بين أفرادها مسجلين في عرفات، يتم إرسال وفد خاص من حزب تواصل إلى تلك الأسرة بعد تحديد منزلها لزيارتها بشكل مباشر، وبعد التواصل مع من يمكن أن يؤثر على تلك الأسرة من أفراد تواصل للمساعدة في المهمة.
ثالثا: وفي خطوة مفاجئة، وذكية جدا، سمح حزب تواصل لمناضليه، وأنصاره من المعارضة بالتواصل مع جيوش الموظفين الذين أوفدهم النظام إلى عرفات، من وزراء، ومديرين، وكبار الموظفين، ورجال الأعمال، وكان هذا الجزء من خطة حزب تواصل يقضي بالسماح لأنصاره بالاستفادة من الأموال التي يوزعها هؤلاء الموفدون من النظام، حتى لو تم تسجيل أسمائهم في لوائح شكلية لدى الوزراء، والأطر..، لكنهم في النهاية سيصوتون لحزب تواصل، عندما يقفون خلف الساتر، وتكون الضربة مزدوجة للنظام، حيث قام رجال النظام - دون وعي- بتمويل حملة حزب تواصل، وساعدوه في الفوز.
رابعا: ركز حزب تواصل على اختيار طواقم تم انتقاؤها بعناية لتولي مهمة تمثيل الحزب داخل مكاتب التصويت، لتسجيل، ورصد أي صغيرة أو كبيرة، لمنع أي نوع من التزوير، أو التلاعب، وضبط ذلك - إن حصل- ليكون دليل إدانة للنظام، وقد أثمر هذا الجزء من خطة تواصل عن منع حالات من التصويت بالوكالة في العديد من مكاتب عرفات.
خامسا: اعتبر كل فرد في حزب تواصل أن المعركة معركته، سواء كان في عرفات، أو أي منطقة من الوطن، فأنصار تواصل الموجودون في الولايات الداخلية شاركوا في معركة عرفات عن طريق الضغط على معارفهم في عرفات للتصويت لتواصل، وذلك في جهد متواصل بعيدا عن الإعلام، والدعاية الخادعة.
...................................................................................................................................................................
وعلى العكس من ذلك كله سار النظام، وحزبه، ورجله، فحصد هزيمة مدوية هي الأكثر قساوة عليه، وذلك بسبب الأخطاء التالية:
أولا: التنافس الداخلي بين أنصار النظام..،
حيث انقسم منتسبو الحزب الحاكم في عرفات إلى مجموعات، كل واحدة منها تقودها جماعة من الشخصيات لا ترى عرفات إلا لها، وتحرص على أن يـُحسب أي نجاح للنظام في هذه المقاطعة لصالحها دون غيرها، وفي المقابل كانت جماعة مرشح الحزب الحاكم لبلدية عرفات معتزة بذاتها، ومؤمنة بقدراتها أكثر من اللازم، وزاهدة في أي دعم من خارجها، باعتبارها تملك من المصوتين ما تستطيع به إنجاح مرشحها، وأدى ذلك في النهاية إلى تخاذل، فت من عضد أنصار النظام، وقسمهم إلى طوائف، وطرائق قددا، والسياسة في النهاية لعبة جماعية، وليست فردية.
ثانيا: سوء التسيير، والتدبير...
لقد حشد النظام إمكانات هائلة لانتزاع عرفات من قبضة تواصل، لكن هذه الإمكانات المالية، واللوجستية، والمعنوية تم إسناد إدارتها لطاقم فشل في المهمة مرتين، فتم تكليفه بها من جديد، وهو عين ذات الغباء.. فكما يقول "ألبيرت أنشتاين": (الغباء هو أن تفعل الشيء ذاته مرتين بنفس الأسلوب، وتتوقع نتائج مختلفة)، لكن النظام فعلها، وتوقع نتائج مختلفة، فلم يكن له ما أراد، وقد أدى سوء تسيير حملة النظام إلى عضب عارم في صفوف أنصار النظام، في عرفات بسبب ما يرونه من ظلم، وانحياز، وتبديد للمال بطرق مشبوهة، ومحصورة على أشخاص بعينهم، دون أن تستفيد منها الطبقة البسيطة المتمثلة في المواطنين الذين سيصوتون في النهاية، فهؤلاء لم يستفيدوا من حملة الحزب الحاكم، رغم أنهم يسمعون أن مئات الملايين تم ضخها في عرفات، ويشاهدون عشرات، ومئات السيارات الفارهة تجوب مناطقهم لأول مرة، ويرون الوزراء، وكبار موظفي الدولة، ورجال الأعمال رأي العين لأول مرة.
ثالثا: الخطاب السياسي الفاشل..
لقد شكل الخطاب الذي ردده أنصار النظام في عرفات أبرز عوامل فشل مرشح الحزب الحاكم، حيث اعتمد هذا الخطاب على تهديد سكان عرفات، وتوعدهم بالخراب والدمار والحصار من طرف الدولة إذا لم يصوتوا للحزب الحاكم، بدل تقديم وعود للسكان بالرخاء، والتنمية المحلية في حال صوتوا لمرشح الحزب الحاكم لبلدية عرفات، بمعنى أن أنصار النظام في عرفات ركزوا على التهديد والوعيد، لإرهاب الناخبين، ولم يقدموا وعودا انتخابية تغري الناس بالتصويت لهم، وقد أدى هذا الخطاب الفاشل إلى نتائج عكسية، وجعل الكثيرين يصوتون لحزب تواصل كردة فعل على هذا المنطق الذي يعاقب الناس على خياراتهم الانتخابية.
هذه هي أبرز أسباب فشل مرشح الحزب الحاكم في عرفات، وتلك هي أهم معالم الخطة المحكمة التي طبقها حزب تواصل بدعم من المعارضة للفوز بعرفات، في نتيجة شببها البعض بنتيجة تصويت مجلس الشيوخ لإسقاط التعديلات الدستورية، والأكيد أن ما كان بعد تصويت الشويخ لم يكن كما بعده، كما أن ما سيحصل بعد هزيمة عرفات سيكون مختلفا تماما عن ما قبلها.
خاص بموقع الوسط.