عظمة النبي "ص" عنوان محاضرة في انواكشوط
في إطار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ألقى الدكتور الشيخ ولد الزين ولد لمام عضو المجلس الإسلامي الأعلى محاضرة عن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم، بمسجد ول محمودن، بتفرغ زينه، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله علي النبي الكريم
عظمة النبي صلي الله عليه وسلم
الحديث هنا في عظمة النبي صلي الله عليه وسلم
وليس الحديث عن عظمة النبي صلي الله عليه وسلم
ذلك لأننا نريد إثارة تساؤلات لا نمتلك الإجابة عنها
فكيف يحيط نثر أو شعر بعظمة أعظم مخلوق عرفته دنيا الناس عبر تاريخها الممتد عبر الحقب ..
الحديث في عظمته الخلقية كنموذج لأخلاق البشر
والحديث في عظمته بمعيار القيم الإنسانية
والحديث في عظمته بمعيار القيم الحضارية
فأما عن عظمته الخلقية فلا مزيد علي قول الباري جل وعلا تزكية له ( وإنك لعلي خلق عظيم )
ولقد صدق قول القائل
يا مصطفي من قبل نشأة آدم والكون لم يفتح له إغلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعدما اثني علي أخلاقك الخلاق
وأما عن عظمته بمعايير القيم الإنسانية
فما الذي جعل رجلا في ذلك العصر يدعو ألي قيم إنسانية تؤرق بني الإنسان حتى يوم الناس هذا ؟
الم يكن أول رجل في العالم ينادي باحترام المرأة واحترام إنسانيتها ؟
كان العظماء قبله والزعماء قبله يكرهون المرأة ويعتبرونها رأس البلاء ؟
كان سقراط يكره المرأة ..
أما هو فقد كان يسابق زوجه ويمازح أهله ويحترم إرادة أهله ؟
خطب الزعماء تتناول دائما القضايا الملحة علي أذهانهم
فما ذا كانت القضايا التي ألحت عليه فكانت موضوع خطبته في حجته الأخيرة حجة الوداع ؟
لقد كانت تلك القضايا قضايا إنسانية نبيلة ..
قضايا المرأة .. قضايا كرامة الإنسان عموما ..قضايا الاقتصاد .. قضايا حرمة الأديان والأنفس والأموال
إنها قضايا كلية أبدية
لا يمكن القول إن الغحساس بنلك القضايا يمليه الظرف التاريخي
لقد كانت ثقافة القوم عرية عن تلك القيم فما الذي جعله يعتنق هذه الأفكار فتلح عليه ؟
إنها النبوة إذن وإنها العظمة إذن ..
فلو لم يكن بشرا لقال الناس هذا ملك كريم
ولو كان بشرا عاديا لما كان معجزا كمالا وشأوا
لم يكن إلا هو ولم يكن سواه
عرف الناس الرهبان فلم يكن كالرهبان
وعرف الناس الملوك فلم يكن كالملوك
وعرف الناس العظام فكان اسمي واسمي من كل عظيم
وعرف الناس الكرام فكان اكرم الاكرمين
وعرف الناس الزهاد فكان ازهد الزاهدين
سيدي يا رسول الله
عرف الناس التواضع فكن أنموذجه
وعرف الناس الحلم فكنت أنموذجه
وعرف الناس الشجاعة فكنت أنموذجها
بابي أنت وأمي أني يجتمع هذا في بشر؟
كل خصلة من هذه ترفع نحو العظمة
فيسمي صاحبها عظيما..
فمن يا تري تسمون أيها الناس من اتصف بكل هذه الصفات ؟
بشر أم ملك أم بشر ملك أم أنت أنت يا سيدي يارسول الله
يا مصطفي من قبل نشأة آدم والكون لم يفتح له إغلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعدما أثني علي أخلاقك الخلاق
كنت نبيا قبل نفخ الروح في آدم قلتها إخبارا عن حقيقة قدرك
( إني لعبد الله ورسول الله وإن آدم لمنجدل في طينته )
صدق عمك عندما أنشد
مِنْ قَبْلَهَا طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلادَ لا بَشَرٌ أَنْتَ وَلا مُضْغَةٌ وَلا عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ أَلْجِمَ نِسْرًا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ إِذَا مَضَى عَلَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتَكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ خِنْدِفِ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتْ الأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي الـ ـنُّورِ وَسُبُلُ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
ولقد صدق البوصيري عندما قال
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
فأيّ إنـسـان هذا ..؟؟
هذا المُـترع عظمة ، وأمانة ، وسموّا..؟
ألا إن الذين بهرتهم عظمته لمعذورون ..
وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون..!
ابن عبد الله محمد .. رسول الله إلى الناس في قيظ الحياة..
أيّ سر توفر له فجعل منه إنساناً يشرف بني الإنسان..؟
أيّ إيمان. وأيّ عزم ، وأيّ مضاء..؟!
أيّ صدق، وأيّ طهر ، وأيّ نقاء ..!!
أيّ تواضع..أيّ حب..أيّ وفاء؟!
أيّ تقديس للحق ؟!
أيّ احترام للحياة ، وللأحياء..؟!
ما الذي جعل سادة قومه يسارعون إلى كلماته ودينه.."أبو بكر" ،و"طلحة" و"الزبير"،و"عثمان بن عفان"،و"عبد الرحمن بن عوف"،و"سعد بن أبي وقاص"...؟
ما الذي جعل ضعفاء قومه يلوذون بحماه،ويهرعون إلى رايته ودعوته وهم يبصرونه أعزل من المال..ومن السلاح..؟
*ما الذي جعل صفوة رجال المدينة ووجهاءها يغدون إليه ليبايعوه على أن يخوضوا معه البحر والهول، وهم يعلمون أن المعركة بينهم وبين قريش ستكون أكبر من الهول..؟!
*ما الذي جعل المؤمنين به يزيدون ولا ينقصون، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء (لا أملك لكم نفعاً، ولا ضراً..ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم)؟؟
*ما الذي ملأ قلوبهم يقيناً وعزماً..؟
إنه ابن عبد الله.. محمد صلي الله عليه وسلم .
ومن لكل هذا سواه..؟!
لقد رأوا رأي العين كل فضائله ومزاياه.
رأوا طهره، وعفته،وأمانته، واستقامته ، وشجاعته..
رأوا سموّه ، وحنانه..
رأوا عقله،وبيانه..
رأوا الشمس تتألق تألق صدقه وعظمة نفسه..
رأوا كل هذا، وأضعاف هذا-لا من وراء قناع..بل مواجهة وتمرُّساً ، وبصراً وبصيرة..
لقد رأوا محمدا ويا سعداه ويا سعد من رآه
ليته خصني برؤية وجه زال عن كل من رآه الشقاء
لقد رأوا "محمداً".
لم تخفَ عليهم من حياته خافية..
حتى طور الطفولة،..كان بالنسبة لمحمد صلي الله عليه وسلم مرئياً مشاهداً
لم تكن طفولته كبقية الطفولات..
ولم يكن شبابه كطور الشباب -يا لطُـهر شبابه -..
وأما رجولته فقد كانت ملء كل عين، وأذُن ،وقلب.
إنها حياة واضحة مقروءة.
من المهد إلى الممات.
كل رُؤاه..كل خُطاه..كل كلماته..
هل ترون شبهة..؟هل تبصرون زيفاً..؟
هل كذّب مرة.. هل خان مرة..؟ هل هبط مرة..؟ هل ظلم إنساناً.؟
هل كشف عورة..؟هل خفر ذمة..؟
هل قطع رحماً..؟ هل أهمل تبعة..؟ هل تخلّى عن مروءة..؟
هل شتم أحداً..؟ هل استقبل صنماً..؟
ابحثوا جيداً ، وافحصوا تماماً، فليس على طورٍ من أطوار حياته ستر ولا حجاب.
إن الإنسان والرسول، التقيا في "محمد" لقاءً وثيقاً باهراً.
هذا هو النور الذي رآه الناس وهو يحيا بينهم بشراً ..ثم رآه العالم بعد رحيله عن الدنيا،حقيقة وذكراً..
ذاك محمد رسول الله
