جريمة تدنيس المصحف.. استغلال الدين، وغسيل السياسة/ سعدبوه ولد الشيخ محمد
سعدبوه ولد الشيخ محمدفجأة، ودون سابق توقع هزت جريمة من نوع خاص، لم تسجل في تاريخ الإجرام في هذا البلد... إنها تدنيس كلام رب العالمين، جريمة بالتأكيد أثارت غضب الموريتانيين، من رئيس الدولة، إلى جميع المواطنين، إلى هذا الحد كان المشهد طبيعيا..
ولكن ما ليس طبيعيا هو ركوب بعض الجهات لهذه الجريمة، لخلق زخم شعبي لم تستطع تحقيقه بوسائل السياسة، والإقناع، وراود البعض حلم تسجيل هدف، وإنجاز سياسي لم تمكنه صناديق الاقتراع من تحقيقه، ولم تسعفه شعارات الرحيل في فرضه.
إن إدانة المدان، وشجب المستنكر هو في علم المنطق "تحصيل حاصل" وفي علم السياسة "مكابرة" ومزايدة، ففي موريتانيا لا أحد أقرب من أحد للدين الإسلامي، وإن كان هناك من يدعي ذلك، فإن النظام الحالي بالتأكيد سحب البساط من تحت أقدامهم، بإنجازات أعادت للإسلام، والمشتغلين في الشأن الديني مكانتهم التي يستحقون، ولا مجال هنا لتكرار تلك الإنجازات، فالجميع يعرفها، ويشاهدها، بعد أن تجاوزت الحيز الوطني، لتدخل الفضاء، ويستفيد منها جميع مسلمي الأرض.
إن الحكم على أي حدث، وتقييمه يقتضي تجاوز مرحلة الصدمة، حتى تتبين المواقف، وربما خلفياتها، وبعد انقشاع الغبار، يمكن الوقوف عند مستويات عدة من ردود الفعل على جريمة تدنيس القرآن الكريم.
أولا: رد الفعل الرسمي... لقد تعاطت السلطان الموريتانية بسرعة مع هذه الجريمة، واتصل رئيس الجمهورية شخصيا بإمام المسجد المعني، وتعهد بالقبض على المجرمين، وتطبيق العدالة فيهم، كان هذا الموقف من أعلى مسؤل في النظام، بعد دقائق من الجريمة، وقبل أن يصدر أي بيان من أي حزب، أو تصريح من سياسي.
ثانيا: رد فعل الطيف السياسي... وهنا ملاحظة إجماع، واختلاف، إجماع على مبدأ الإدانة، والشجب، واختلاف في طريقة استغلال الجريمة، فبعض الأحزاب لم تشأ أن تفوت الفرصة، لتحمل النظام مسؤولية تدنيس القرآن الكريم!! لأنها بشكل "لا إرادي" تحمل النظام المسؤولية عن كل شيء، فهو – بنظرها- مسؤول عن ارتفاع درجات الحرارة، وقد يكون مسؤولا عن موجة الغبار، والأتربة التي هبت على انواكشوط خلال منتدى المعارضة قبل أيام.
إن محاولة استغلال الجريمة لتحقيق مكسب سياسي، هو في حد ذاته "جرم أخلاقي" ومتاجرة بالدين، والعواطف، والمشاعر، و أيضا "غسيل سياسة" مثل غسيل الأموال في عالم الاقتصاد، وأي مكاسب سياسية مكتسبة بسبب استغلال الجريمة ستكون ظرفية، ولا يمكن التعويل عليها.
ثالثا: تعاطي وسائل الإعلام مع هذه الجريمة... وهنا بالتأكيد تنافست هذه الفضائيات، المحبطة، التي يتهدد الإفلاس معظمها، والإذاعات المهجورة، التي غادرها معظم صحفييها الأكفاء، والمواقع الإلكترونية التي تعاني من "فقر المادة" الذي هو أخطر عليها من "فقر الدم"، تنافس الجميع إذا في تضخيم المشهد، وتحويل الحبة، إلى قبة، وبدأنا نسمع مصطلحات كبيرة، ورنانة ،من قبيل... نقل حي ومباشر، تغطية مستمرة... حتى إنه يخيل للمستمع، والمشاهد أحيانا أنه يتابع الأيام الأولى من ثورة مصر، أو الانفاضة الفلسطينية، أو الحرب الأمريكية على أفغانستان.
في حين كانت حقيقة المشهد أن هناك المئات فقط من سكان انواكشوط- أغلبهم من المراهقين، تلاميذ الثانويات- تحرق الإطارات في الشوارع، وتحاول تخريب المباني العمومية، والخصوصية، وغابت عن البعض روح الإسلام، وهدف نصرته، لأن الإسلام لم يكن يوما دين تخريب، أو إرهاب للناس، أو إزهاق للأرواح البريئة، أو تعريض النفس للتهلكة.
فحتى عندما كان الإسلام في بداياته، وكان الكفر على أشده، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم الكنائس، ولا دور عبادة غير المسلمين، باستثناء الأصنام، فما بالنا نخرب ممتلكات المسلمين باسم الدفاع عن الإسلام؟!، وهل من نصرة الإسلام تكسير أعمدة الإنارة العمومية في الشوارع، وتحطيم لوحات الإعلان، وتكسير سيارات المارة.
لقد شاهدت شخصيا مجموعات شاركت في هذه المظاهرات في انواكشوط قبل يومين، ولا تعرف لماذا خرجت، فقط شاهدت احتجاجات فانضمت لها، ولم يكن في مظاهرات أول أمس في انواكشوط أي من علماء البلد المعروفين، فقد أصدروا بيانات إدانة، وأكدوا على حرمة الاعتداء على دم، أو مال، أو عرض المسلم.
في الوقت الذي كان فيه من المفروض أن يخرج الموريتانيون "المدافعون عن القرآن الكريم" يخرجوا في عموم البلاد فرحا، وابتهاجا بافتتاح أول فضائية، ستكون "محظرة" في كل بيت موريتاني، أو حانوت، بدل ذلك حاول البعض تحويل مجرى الأحداث إلى العكس تماما، ولا أتهم هنا أحدا، أو جهة بتدبير جريمة تدنيس المصاحف، ولكن أتهم البعض بمحاولة استغلال هذه الجريمة على الأقل، ليبقى السؤال التقليدي مطروحا، لأنه يمثل غالبا نصف التحقيق: من المستفيد من تدنيس القرآن الكريم، وخلق فوضى في البلد؟؟!!
سعدبوه ولد الشيخ محمد
