الأستاذ سيد محمد ولد محم بين السياسة، والإعلام ..
لكل نظام رجاله، وسدنته، من عسكريين، ومدنيـين، يرجع إليهم في رسم خـُططه، وتثبيت دعائم حـُكمه، ينفون عنه انتقادات المعارضين، ويوظفون له هتافات المناصرين، يلجأ إليهم في حل مشكلات الحــُكم، ويحتمي بهم من هجمات الخصم، ورغم تبدل وظائفهم في الدولة، إلا أن وظيفتهم الأساسية تبقى "التمكين" للنظام الحاكم، من أي موقع كانوا.
يجمع المراقبون على أن الأستاذ سيدي محمد ولد محم كان من بين أهم رجالا نظام ولد عبد العزيز، فولد محم واكب جميع مراحل هذا النظام، منذ أن كان فكرة جنينية، حيث كان ولد محم من أبرز أعضاء ما بات يسمى ب" الكتيـبة البرلمانية" التي كانت الجناح المدني الذي ساهم في الإطاحة بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وتسويق تغيـير نظامه داخليا، وخارجيا، وكلنا نتذكر صولات، وجولات ولد محم، في شوارع انواكشوط، ووسائل الإعلام، وأروقة السياسة، وتحت قـُبة البرلمان، وظل ولد محم يقارع مناهضي نظام ولد عبد العزيز في هذه الساحات، إلى أن قرر رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز إدخاله الحكومة لأول مرة، واختار له منصبا يجمع الكل على أن ولد محم ظل فيه دائما الرجل المناسب في المكان المناسب.
وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان، تلك المهمة المزدوجة، والصعبة، التي تجمع بين الواجهة الإعلامية للنظام، وحلقة الوصل بينه وبين البرلمان، تميز أداء ولد محم خلال توزيره بمعارك شرسة – على المستوى الإعلامي- مع خصوم النظام، حسمها ولد محم لصالح النظام – كما يرى البعض- ولعل تعاطيه مع أزمة إغلاق جمعية المستقبل، وتمزيق المصحف الشريف، ومهرجانات الرحيل أثبتت قدرة الرجل على الإقناع، وتسويق موقف النظام، في مقابل تسفيه، ودحض مواقف المعارضة، بأسلوب يتسم بالبلاغة في التعبير، والفصاحة في القول، ووضوح الرؤية في الموقف.
وظل ولد محم نجم الصحافة بلا منازع، وينتظر الصحفيون إطلالته مساء كل خميس بفارغ الصبر، ويتسمر السياسيون أمام الشاشة الصغيرة للاستماع لمرافعته الإعلامية، حتى لكأن البعض اعتبر أن ولد محم خـُلق ليكون وزيرا للاتصالات والعلاقات مع البرلمان، وكأن هذا اللقب لا ينصرف إلا إليه.
لكن مقتضيات الحكم، وحسابات السلطة جعلت رئيس الجمهورية يقيل ولد محم من الوزارة، في خطوة شكلت أكبر مفاجأة، لكن العارفين بالشأن السياسي ظلوا مدركين أن مهمة صعبة، وربما أكثر حساسية من وزارة الاتصال بانتظار ولد محم، وما هي إلا أيام حتى اتضح ذلك، بانتخاب ولد محم رئيسا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وهو الحزب الذي أسسه الرئيس ولد عبد العزيز، ويـُعد واجهة نظامه السياسية، وذراعه المدني الأبرز، تولى ولد محم رئاسة الحزب في مرحلة فاصلة، وبدأ على الفور مهمة " تفعيـل" دور الحزب، بعد أن كاد يفتك به الإهمال، وضخ دماء جديدة في هياكـله المُترهلة، والأهم من ذلك جعل الحزب الحاكم حاضرا في كل شاردة، وواردة في الشأن العام، فكل حدث بات للحزب منه موقف يصدر في وقته في بيان رسمي، كما بات الحزب – في عهد ولد محم- ينافس حزب تواصل المعارض في العمل الخيري، وهي سنة لا عهد للحزب الحاكم بها قبل ولد محم، الذي أشرف بنفسه على الإفطارات الجماعية، وقوافل المساعدات الإغاثية للمتضررين، ولأول مرة بات الحزب – مع ولد محم- ينسق مع الحكومة، ويتشاور معها بخصوص تنفيذ سياساتها، وشكل الحزب لجانا خاصة لهذا الغرض.
كما كان لولد محم دور بارز في إدارة الحوار السياسي بين المعارضة، والنظام، وظل الرجل مـُفاوضا، ومحاورا بارعا، يـُحسن عرض الموقف، والتعاطي مع الخصم، هذا فضلا عن لعب الرجل دورا مهما في الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، وللرئيس ولد عبد العزيز، الذي تولى تنسيق حملته في أهم ولايات الوطن (الحوض الشرقي).
لكن السؤال يظل مطروحا: ما المؤهلات التي جعلت الأستاذ سيدي محمد ولد محم يتبوأ هذه المكانة، ويلعب كل هذه الأدوار الصعبة؟؟
يرى المهتمون بالعلوم السياسية أن السياسي الناجح لابد أن يمتلك عدة مؤهلات، أبرزها: أن يكون خطيبا مفوها، يجيد فن الإقناع، وأن تكون لديه القدرة على أن يوازن بين المرونة المطلوبة في بعض الأحيان، والحسم، والحزم، والمبادرة بالهجوم إذا اقتضت الضرورة، والأهم من ذلك أن يكون السياسي دائما في موقف " الفعل" وليس انتظار ردة الفعل، ويمتلك زمام المبادرة دائما، يتمتع ولد محم بهذه المميزات، ويعـترف له خصومه قبل أنصاره بمعظمها.
سعدبوه ولد الشيخ محمد