المفاضلة بين العلماء..خطأ محمد غلام، أم خطيئة تواصل؟
يعتبر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) أكثر الأحزاب في موريتانيا تنظيما، وانسجاما،والتزاما ب"الحزبية" وكغيره من الأحزاب يوجد ضمن قيادته "صقور" و"حمائم".. صقور يعبرون عن أكثر المواقف راديكالية، ويطلقون التصريحات النارية، والمواقف الحاسمة، وربما يتزعم هذا التيار داخل (تواصل) نائب رئيس الحزب محمد غلام ولد الحاج الشيخ، بينما يتزعم تيار الحمائم رئيس الحزب محمد جميل منصور، الذي يتميز بالحنكة السياسية، والمرونة في المواقف، والبلاغة في الخطاب، والدقة في التعبير.
إن الأزمة التي فجرها ولد الحاج الشيخ بكلامه الصريح ضد طائفة من العلماء- وإن حاول بعد ذلك تهدئة الموقف- تعتبر خطأ لا يغتفر، أو بالأحرى "خطيئة" ليس فقط بالمفهوم الديني للكلمة، بل حتى بالمفهوم السياسي، فالهجوم على أي فئة، مهما كانت، وفتح جبهة معها، يعتبر نوعا من خلق الأعداء، وهو أسلوب فاشل في العمل السياسي، أحرى إن كانت هذه الفئة تسمى "العلماء".
لقد اعتبر ولد الحاج الشيخ أن "عالم تواصل" - مع تحفظي على هذا التعبير-اعتبره "بازا" ووصف بقية العلماء بأنهم "ديكة" ومبدأ المفاضلة بين الشعراء يثير جدلا كبيرا بين النقاد، فما بالك بالمفاضلة بين العلماء بهذه الطريقة، فمتى كان "الغلام" يستطيع تصنيف العلما الكبار بهذه الطريقة.
كما قال ولد الحاج الشيخ: إن بعض الوزراء قدموا مبلغ 4 مليون للعلماء "لرشوتهم" ثم قال بعد ذلك إنه ليس متأكدا أن العلماء قبلوا "الرشوة" لو سلمنا جدلا بصحة مصادر ولد الحاج الشيخ في هذه المعلومة، فإنها ليست أعظم جرما، ولا أكبر إثما من أخذ مئات الملايين من الخارج، من أمراء خليجيين، أو حكومات، أو جهات أخرى، ولا أظن ولد الحاج الشيخ يستطيع أن ينكر أن العلماء "النسور" يستجلبون من الخارج هذه الأموال الطائلة، بغض النظر عن أوجه إنفاقها.
لقد أبان ولد الحاج الشيخ عن اطلاع واسع جدا على كل شيء تقريبا، فهو يعرف ما يدور في مكاتب الوزراء، ويعرف حتى تفاصيل المكالمات الهاتفية لرئيس الجمهورية، ويعرف أشياء أخرى.
لقد أعطى ولد الحاج الشيخ – من حيث لا يدري- فرصة لخصومه ليتهموه بمحاولة "غسيل الأدمغة" بعد أن اتهموه بغسيل الأموال، فمحاولة نزع القداسة، والهيبة عن العلماء، واتهامهم، والتطاول عليهم بهذه الطريقة يعتبر في الحقيقة فكرا غريبا على ثقافة هذا المجتمع، الذي نشأ على أن العلماء مثل البحر، لا يحمل الخبث، وإذا اجتهدوا فأصابو فلهم أجران، وإذا أخطأوا فلهم أجر، هكذا يتعامل المجتمع مع العلماء، أم أن ولد الحاج الشيخ يظن أن اتهام العلماء ليس أقل خطرا من شتم، وسب رئيس الجمهورية، الذي أصبح تتمة كلام "أوفايت اكلام"عند التواصليين.
لقد أبان محمد غلام عن ميزة ما فتئ البعض يتهم حزب تواصل بها، ألا وهي: نحن على هدى، وغيرنا على ضلالة، سياسيونا هم من جنس الملائكة، لا يخطئون أبدا، وإذا كانوا مجرمين في السابق، فإن انضمامهم لتواصل "يجب ما قبله" ويصبحون طاهرين كيوم ولدتهم أمهاتهم، يريد إذا ولد الحاج الشيخ أن يقول: وعلماؤنا أيضا هم "النسور" وغيرهم "ديكة".
إن هذا المنطق الاستعلائي، الإقصائي سيضر بمسيرة حزب تواصل، أكثر مما يضر بالآخرين، فمن يعتمد في السياسة على منطق أبيضن وأسود، الخير، أو الشر، سيخسر كثيرا، لأن المنطقة الرمادية هي الأغلبية، ثم إن تنصيب محمد غلام لنفسه "حكما" يفاضل بين العلماء، ويحدد مستوياتهم من العلم، ومن الورع، هو الآخر أمر غريب، فالشيخ محمد الحسن ولد الددو هو عالم جليل، ونحسبه من أهل الورع، ولا نزكي على الله أحدا، ومحمد فاضل ولد محمد الامين هو أيضا عالم جليل، ونحسبه من أهل الورع ولا نزكي على الله أحدا، هذا ما ينبغي أن يقال – بنظري-.
لقد أخطأ جزب تواصل بعدم اعتذاره عن ما بدر من نائب رئيسه من إساءة للعلماء، خصوصا أن ولد الحاج الشيخ تمت دعوته للبرنامج بصفته نائب رئيس الحزب، وتحدث بهذه الصفة، فكان على الحزب أن يبين موقفه مما قال ولد الحاج الشيخ، خصوصا أن تواصل معروف بخرجاته الإعلامية، وبياناته التي تصدر حول كل شيء، ونحن نتذكر أن تواصل أقام الدنيا ولمم يقعدها بعد تصريح نسب لوزير النقل يحي ولد حدمين اتعبره الحزب مسيئا له، رغم أن ذلك التصريح ثبت تلفيقه، وفبركته، أم أن الإساءة إلى تواصل أمر لا يغتفر، والنيل من العلماء مسألة فيها نظر.
ثم إن ولد الحاج الشيخ قد أساء في تلك الحلقة الشهيرة إلى العلامة محمد الحسن ولد الددو إساءة بالغة عندما قال، وجزم بأن حزب تواصل كان بإمكانه أن يطلب من الشيخ الددو أن يترشح باسمه، ولو طلب منه ذلك لفعل، وكأن الشيخ الددو يأتمر بأوامر محمد غلام، وينفذها دون تردد، وينفذ الدور الذي يكلفه به حزب تواصل، من هنا كان ولد الحاج الشيخ عادلا في توزيع الإساءة على العلماء، سواء من وصفهم بالعلماء "الوزراء"، أو من وصفهم بالعلماء "النسور"
سعدبوه ولد الشيخ محمد