"الطافلات" و "اجماعه" قراءة في الشكل، والمضمون
الإعلام ينبغي أن يكون معبرا عن هموم، وتطلعات المجتمع، عاكسا لها، مثقفا، ممتعا، ومسليا، ومفيدا، ومنميا بالمفهوم العام لكلمة "التنمية" منورا، ومخبرا، ومحافظا على هوية المجتمع، وخصوصياته الثقافية، والاجتماعية، هكذا يكون الإعلام الهادف، أو لا يكون.
لقد شهدت موريتانيا خلال السنتين الماضيتين طفرة إعلامية غير مسبوقة، وتعددت الفضائيات، والإذاعات، علاوة على مئات المواقع الإلكترونية، بيد أن المتابع لهذه الفضائيات يلاحظ في معظمها – إن لم نقل كلها- غياب أي رسالة إعلامية واضحة المعالم، وضبابية في الخط التحريري، وسعيا مستميتا للإثارة، والشهرة بأي ثمن.
بعض الفضائيات بدأت في سعيها لذلك تجتر برامج تلفزيزنة شهيرة في الغرب، أو العالم العربي، ناسية، أو متناسية الفوارق الثقافية، والاجتماعية بين المجتمع الموريتاني وتلك المجتمعات.
وهنا أتوقف عند برنامجين اثنين، أحدهما في قناة الوطنية، والآخر في التلفزة الموريتانية، ف"الوطنية" تقدم لنا فتيات موريتانيات، يلبسن آخر صيحات الموضة، ويجلسن في أفخر الصالونات، ويناقشن مواضيع هي أبعد ما تكون عن هموم أغلب الفتيات الموريتانيات، في الأرياف، في القرى، والمدن الداخلية، وحتى في معظم أحياء العاصمة انواكشوط، حيث الأغلبية من الفقراء، والأقلية من الطبقة المتوسطة، ومن يناقش تلك المواضيع لهؤلاء فهو كمن يناقش ظاهرة "لبلوح" في المجتمع اسويسري!!
وأقلية الأقلية فقط هي من الأثرياء، وهي التي لديها الاهتمام بتلك القضايا التي تناقشها تلك الفتياة في جو لا يخلو من خروج على قيم، وثقافة المرأة الموريتانية المحتشمة، فأن تتجمل الفتاة مباشرة على شاشات التلفاز، وتتحدث بحرية، وإسهاب عن علاقات الرجال بالنساء، فذلك أمر غير مألوف، ويقول البعض غير مقبول.
صحيح أن التجديد، والتطور مطلوبان في عالم اليوم، ولكن ما هو أصح أن التجديد لا يكون بالتخلص من الماضي، والبناء لا يتم على أنقاض الهدم، بل يتم بتدرج، وبأسلوب هادف، وهادئ، ثم إن أي برنامج تلفزيوني لابد أن يتوفر على شرطين، أو واحد منهما على الأقل، وإلا يكون ثرثرة بلا معنى، والشرطان هما: الإفادة، والمتعة، أو التسلية، فأي برنامج لا يقدم إفادة واضحة للمشاهد في أي مجال من المجالات، ولا يقدم له مادة مسلية ممتعة يكون مضيعة للوقت، والجهد.
البرنامج الثاني الذي أقارنه ببرنامج "الوطنية" المسمى (الطافلات) هو برنامج (اجماعه) الذي تبثه التلفزة الموريتانية، فرغم أن فكرة البرنامجين، وأسلوبهما يتشابهان إلا أن بينهما من الفروق ما بين الثرى والثريا.
فبرنامج (اجماعه) هو فضاء تقليدي أصيل، بدء بالديكور، مرورا بالأسلوب، وانتهاء بالمواضيع التي يناقشها، حيث الكلمة الطيبة، والأدب الرفيع، والثقافة الأصيلة، والقيم المجتمعية الراسخة، فكل من يتحدث في (اجماعه) ينسيك حديث زميله من شدة حسن ما يقول الجميع، فهو بحق نموذج لاجماعة التقليدية، بكل معانيها، التي لا يمل جليسها.
حيث يجد المشاهد معلومات نادرة عن وطنه، وأمثالا حكيمة، ويستمتع بحكايات أدبية راقية، كل ذلك في جو لا تفسخ فيه، ولا نشوز.
بيد أن ماهو مضحك، ومبكي في نفس الوقت هو أن القنوات الفضائية تنجر وراء تقليد أي برنامج تبثه القناة الأخرى في تقليد أعمى، ينم عن عدم قدرة على الإبداع، لذلك فقد رأينا قناة أخرى بدأت تحاول تلقليد برنامج (الطافلات) وإن ببعض التغييرات الشكلية.
فمتى سيصل إعلامنا إلى المنطقة الوسط بين التجديد، والهدم، والإثارة، والمصداقية، وباختصارة، الأصالة، والتحديث؟؟
سعدبوه ولد الشيخ محمد