وداعا زمن الخصوصية...
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم، الحمد لله الذي جعل الأقلام راحة للأقدام، وتكفي بالمشافهة عن الكلام..... نموذج من مقدمات الرسائل الخطية التي كانت في الماضي الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار، والمعلومات، وحتى المشاعر، والأحاسيس. اليوم في زمن الثورة التكنولوجية في مجال الاتصالات بات هذا النوع من التواصل منعدما تماما، وباتت المعلومات متاحة للجميع بدون استثناء، وبكل سهولة، بات العالم باختصار "قرية صغيرة" ورغم الجوانب الإيجابية لهذه الثورة التكنولوجية إلا أن لها جوانب سلبية عديدة يتحدث عنها خبراء علم الاجتماع، ويلاحظها الإنسان العادي.
ومن الجوانب السلبية للتواصل عبر الوسائط الحديثة: غياب الحميمية، وانفصام عرى الأخوة، والمحبة التي تنتج عادة من الاشتياق للشخص، والالتقاء به مباشرة، فالفيسبوك، والهاتف، وغيره من وسائل التواصل الحديثة لا تترك الإنسان يشتاق لمن يحب، لكونه في تواصل دائم معه على مدار الدقيقة بالصوت والصورة إذا أراد لكنه في نفس الوقت لا يلتقيه مباشرة وجها لوجه، فهو يقول لا داعي لزيارة الأهل، والأصدقاء طالما أجدهم على الفيسبوك، وهكذا تظل العلاقات الاجتماعية محصورة في العالم الافتراضي بعيدا عن الواقع، ما يولد غياب الألفة، والحميمية. وتبقى أكبر سلبية في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة هي غياب، أو ضياع مفهوم "الخصوصية" فالجميع باتت أدق تفاصيل حياتهم اليومية متوفرة على شبكات التواصل للجميع، على الأقل كل مستخدم لهذه الشبكات معروف مكان وجوده، ويمكنك التواصل معه حتى من الحمام، وانتهى ذلك الزمن الذي كان يقول الزوج فيه لزوجته: "أنا في سفر خارج المدينة في مهمة عمل" ويكون في الحي الذي تسكنه يستمتع بوقته، أو في نزهة مع أصدقائه. كل إنسان اليوم بات بالإمكان مراقبته بشكل دائم لمن يريد ذلك، والخطير في الأمر أن هذا العالم الافتراضي بات مثل المخدرات يدمن عليه، وهناك مستشفيات متخصصة في علاج الإدمان على الفيسبوك، ذلك الوافد الجديد الذي غير حياة الناس حول العالم، اجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، الفيسبوك الذي قضى على "المفاجأة" فكل شييء بات معلوما للجميع. في مجتمعنا الموريتاني حديث العهد بالبداوة، والمحافظ أصبح الفيسبوك يطرح مشكلة حقيقية سواء للمتعلمين، والمتعلمات، أو الأميين، والأميات، فالزوجة المتعلمة مثلا تطالب زوجها بإعطائها كلمة سر فيسبوك الخاص به، لتبقى تراقبه عن كثب، وتلك المراقبة لا تخلو من بعض المشاكل، والمطبات التي يجد الزوج نفسه فيها، عن قصد، أو عن غير قصد، أو على الأقل يمكن لمن يريد أن يدمر علاقته الزوجية بسهولة إن كانت زوجته ممن يغار كثيرا. أما الزوجة الأمية فهي أكثر خطورة، لأنها كلما رأت صورة سيدة في جهازك تعتقد مباشرة أنك أرسلت لها رسالة، أو راسلتك، وبينكما علاقات غرامية، حتى لو كانت هذه الصورة في كوجل، أو في إرشيف موقع، ولدى الأميات من نسائنا انطباع أن كل رجل لديه جهاز كومبيوتر هو بالضرورة في تواصل دائم مع النساء. هي إذا لعنة الفيسبوك تلاحق الجميع، وتفرض نفسها على الجميع، بإجابياتها، وسلبياتها، وكأن الفيسبوك يقول للفيسبوكيين:" أتحداكم... اتركوني إن استطعتم" فأين المفر ؟؟!! سعدبوه ولد الشيخ محمد