ردا على الأخ عبد الفتاح اعبيدنا، وجدلية الشمال، والشرق (مقال)
طالعت مقالا كتبه زميلي، وأخي، الإعلامي المتميز عبد الفتاح اعبيدن ردا على مقال كنت قد نشرته بعنوان:" موريتانيا.. موسم التمكين للشمال"، وبودي أن أسجل هنا ملاحظات جوهرية، بعد ما أثار أخي عبد الفتاح نقاطا بالغة الأهمية.
أولا: أسجل باحترام، وتقدير الأسلوب المهذب الذي انتهجه الأخ عبد الفتاح للتعبير عن رأيه، والرد على مقالي سابق الذكر، وهذه محمدة تذكر له فتشكر، في زمن يستعيض البعض فيه عن ضحالة المستوى المعرفي، وضعف الأسلوب، والحجة بالسب والشتم، والصراخ، فشكرا لك الأخ عبد الفتاح.
ثانيا: أنا لم أقل إن أهل الشرق أفضل من أهل الشمال، لأن أهل الشرق أكثرية، وأهل الشمال أقلية، لم أقل هذا إطلاقا، فأنا لا أنصب نفسي ناطقا باسم منطقة معينة، كما لا أعتقد أن أحدا في الشمال منحكم صفة النطق باسم أهله، بل إنني تحدثت عن ضرورة المساواة في الفرص، والوظائف العامة بين مناطق الوطن، وتحدثت عن اترارزه مثلما تحدثت عن ولايات الشرق، لذلك لست جهويا، ولا ينبغي لي ذلك، وذكرت في هذا الصدد أرقاما، ومعطيات دقيقة، لا تصلح كدليل على المفاضلة بين مناطق الوطن، بل للتدليل على الغبن، والإقصاء، وعدم التوازن في استفادة جميع مواطني الوطن من عائداته، وفرصه.
ثالثا: لقد استشهدتم بئايات من القرآن الكريم، لتثبتوا أن الأكثرية مذمومة، والأقلية محمودة، لكنني أتساءل باستغراب من أين لكم تأكيد أن أقلية أهل الشمال تصاحبها البركة، والفضل، والعقل، وأكثرية أهل الشرق يصاحبها الجهل، وتحمل كل المعاني السلبية لمفهوم الأكثرية - كما حاولت تأكيده-، وهذا فهم لا يستقيم، أولا، لأنه ليست كل أكثرية مذمومة، وليست كل أقلية محمودة - بالضرورة-، والآيات التي استشهدتم بها لا تثبت هذا المعنى، ثانيا عليكم - أخي الفاضل- أن تتأكدوا من أن الشعب الموريتاني شعب واحد، لا فضل لشماله على شرقه إلا بالعلم، وما يقدمه لهذا الوطن من تضحيات، وهنا أعتقد أن منطقة الشرق معروفة بكونها منطقة القرآن الكريم، وأهلها أهل علم، وهنا لا أستخدم مفهوم المخالفة عند الأصوليين، إنما أثبت حقيقة معروفة، ومن أقل أهل الشرق ثقافة، وتعلما صاحب هذا المقال، وأؤكد لك أنني أحفظ القرآن الكريم بروايتي ورش، وقالون، وأحفظ أشياء أخرى، وتعلمت ذلك كله في "أكثرية الشرق" التي حكمتم عليها بالجهل، وتلك الصفات القدحية، لذلك فإن محاولتكم إثبات قدحية أكثرية الشرق، مقابلة أفضلية أقلية الشمال هي محاولة محكوم عليها بالفشل، وليست مثل الانقلابات "البيضاء" التي افتخرت - أخي الكريم- بأنكم زعماؤها بلا منازع.
رابعا: إن تشكيكم في وطنية ولايتي الحوضين، بالقول إنهما انضمتا حديثا للوطن، وكانتا تابعتين لجمهورية مالي، هو حكم أكثر من جائر، لا تدعمه معطيات التاريخ، ولا شواهد الحاضر، فبهذا المنطق فموريتانيا كلها غير وطنية، لأنها كانت تقع تحت الاستعمار الفرنسي، وإلا فأهل الشرق من أكثر أبناء الوطن وطنية، وتفان في خدمته، وتضحية من أجله، وليس المقام مقام استعراض ذلك، فأرجوا أن تمتلكوا الشجاعة لتعتذروا لساكنة هاتين الولايتين عن التشكيك في وطنيتهم، والطعن في مكانتهم العلمية، والاستهزاء بأكثريتهم الديمغرافية.
خامسا: قلتم - أخي الفاضل- إن العبرة ليست بالأكثرية الديمغرافية، بل بالثروات المعدنية، والسمكية، وهي موجودة في الشمال، هنا أؤكد لك أن الثروات المعدنية هي ملك لكل الشعب الموريتاني بالتساوي، سواء تم اكتشافها في الشمال، أو الجنوب، أو الشرق، أو الغرب، كما أن الأسماك هي ثروة لكل الشعب الموريتاني، ولا يملك أهل انواذيبو حقا فيها أكثر من أهل عدل بكرو، كما لا يملك أهل ازويرات حقا في الحديد يفوق حق أهل كوري مثلا، أو باركيول، فهذه ثروات الشعب الموريتاني - كل الشعب-، ولا ينبغي لكم، بل لا يـُقبل منكم أن تمنوا على أي منطقة بتلك الثروات، أو تعتبروها حكرا عليكم- هذا للتوضيح-.
سادسا: لقد حكمتم علي بالقول إنني هددت بثورات، أو انقلابات لحصول أهل الشرق على حقوقهم، وهذا لم أقله والله، ولا يـُفهم مما كتبت، إنما قلت إن الشعب الموريتاني عموما في كل مناطق الوطن بات يعرف حقوقها، وواجباته، ويعرف كيف يؤدي ما عليه من واجبات، ويحصل على ما له من حقوق، وهنا أستحضر الآليات الديمقراطية في تحصيل الحقوق، مثل التصويت في الانتخابات، وقد بدأت مناطق الشرق المعروفة تاريخيا يتبعيتها للأنظمة، بدأت تصوت للمعارضة، وتدافع عن مصالحها من خلال استخدام سلاح أصواتها في الانتخابات، وهذا ما أردت قوله، أما الانقلابات، فأنا لست عسكريا، ولا أملك إلا قلمي، كما أنني لا تعجيني الانقلابات، ولا أفتخر بها، بغض النظر عن لونها، سواء كانت بيضاء، أو سوداء.
هذا ما أردت توضيحه ردا على مقالكم، ولكم جزيل شكري، وتقديري أخي عبد الفتاح اعبيدنا على أسلوبكم الراقي في النقاش.
الأستاذ، والصحفي: سعدبوه الشيخ محمد.
