قناة الموريتانية تفتح موضوعا حساسا، ومخاوف من هزات في المجتمع
يعتبر موضوع المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي من المواضيع الشائكة في موريتانيا، والتي تثير حساسيات خطيرة كلما تمت إثارتها، فمن حيث الموقف من المقاومة للاستعمار الفرنسي، ينقسم الباحثون، -ومعهم المجتمع إلى عدة طوائف-: طائفة ترى أن الموريتانيين قاوموا الاستعمار مقاومة شرسة، مسلحة، وثقافية، وهزموا المستعمر، وأجبروه على الفرار، ونالوا استقلالهم بعد مقاومة بطولية، بينما تقلل طائفة أخرى من دور المقاومة الموريتانية في إجبار الفرنسيين على الانتسحاب من موريتانيا، وترى هذه الطائفة أنه لم تحدث في موريتايا مقاومة مسلحة بالمعنى المتعارف عليه، كما حصل في الجزائر مثلا، باستثناء عمليات عسكرية هنا، وهناك، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول بأن فرنسا غادرت موريتانيا بعد اقتناعها بعدم جدوائية احتلالها لهذه البلاد، ولم تكن مرغمة بفعل المقاوة المسلحة.
وإذا ما تجاوزنا الجدل المبدئي حول الموقف من المقاومة، نجد أنه حتى من يقولون بوجود مقاومة مسلحة في موريتانيا للاستعمار الفرنسي لا يكادون يتفقون على رموز هذه المقاومة، وأحداثها، وأبطالها، بل إن البعض يتهم البعض بتضخيم دور قبائل، وأسر، وجهات معينة، ويعتبرها هي التي تحتكر المقاومة، في حين يقلل من دور جهات، وقبائل، وفئات أخرى في هذا المجال، كما أنه من المعروف أن شخصيات لها وزنها الثقافي، والاجتماعي وقفت إلى جانب المستعمر، وأفتت بحرمة مقاومته، ومن يتحدثون اليوم عن المقاومة يقعون في حرج كبير عندما يتحدثون عن هذه الأعلام الوطنية.
وقبل أيام من حلول الذكرى 57 لعيد الاستقلال الوطني المجيد، دشنت قناة الموريتانية سلسلة حلقات للحديث عن المقاومة الوطنية للاستعمار الفرنسي، لكن "الموريتانية" نكأت جراحا نفسية، واجتماعية لما تندمل بعد، وبدأنا نسمع أحاديث من هنا، وهناك تنتقد طريقة تناول "الموريتانية" لهذا الموضوع الحساس، بدء باختيار الضيوف المتحدثين، وما شابها من "انتقائية" مرورا بالتركيز على جهات بعينها، وليس انتهاء بتجاهل الرأي القائل بعدم وجود مقاومة أصلا، بل ومحاولة القناة وصف مواقف العلماء الذين أفتوا بحرمة مقاومة المستعمر، وصفها بأنها "مقاومة" في حد ذاتها !!!.
ويخشى بعض المراقبين أن تسبب حلقات "الموريتانية" عن هذا الموضوع الحساس في شروخ اجتماعية خطيرة، وتحيي من جديد الصراعات الثقافية، والاجتماعية، بسبب موضوع بات جزء من التاريخ، ومحاولة كتابة التاريخ، أو تناوله تحتاج قدرا كبيرا من الأمانة، والحياد، والتجرد، والابتعاد عن أهواء السلطة.